الاثنين، 14 يونيو 2010

صباح : قصة فتاة لم تخشى عناكب الظلام

بقلم : طه على أحمد

استيقظت صباح كعادتها باكرا ، في نشاط لم تعهده عليها الأسرة . راحت تجهز حقيبتها استعدادا ليوم دراسي حافل بالكثير من العناء الذي يختلط فيه العناء الجسدي بالذهني . نعم ذلك العناء الجسدي الذي يتكبده آلاف الأولاد والبنات أثناء خروجهم إلى مدارسهم ، بين أكمنة القهر التي تزرعها القوات المحتلة لأرضها ليل نهار. وكذلك العناء الذهني الذي تعانية صباح مع زميلاتها من أجل تحصيل علوم طالما تمنتها ونهلت منها على أمل أن تبلغ بها أمانيها ، وأن تسهم في تحريروطنها.
راحت صباح تتحرك كثيرا ، فحقيبتها قد تم إعدادها منذ المساء قبل أن تنام بعد سهرة حافلة باستذكار الدروس ، شأنها في ذلك شأن كل متفوق طموح . ولكن ماذا ياترى وراء كل ذلك النشاط فوق العادة ؟! إنها بالفعل هكذا ، ولكنها الليلة يبدوا عليها شيئ ما ، هكذا كان تفكير أمها وكذلك تخيلن أخواتها الثلاث اللواتي يصغرنها سنا. وراحت أختها الصغيرة تسألها ماذا بك يا صباح، إننا لم نعهدك هكذا؟ ولكنها ترد في حماس، وعلى وجنتيها رياض من زهور تتفتح ، وفي عينيها بريق غد يلوح بالافق. وردت على صغيرتها قائلة: هل تعلمين يارحمة ماذا تعني السعادة؟ ماذا يعني الأمل؟ ماذا تفيد الحياة؟ ما هو دورنا في تلك الحياة ؟ وردت عليها أختها بإستغراب محدقة عينيها بشيء من الإمعان في تأملات كبيرتها ماذا يا أختي ؟! فترد صباح قائلة : معني الحياة ... هي أن يكون لوجودك سبب . أن تكونين امتداد لمن قبلك وبذور لمن يأتي من بعدك. بالأمس ونحن نرمي عسكر الإحتلال بالحجارة تسائلت، لماذا نحن الذين نحييا في هذا العناء وفي تلك المشقة اليومية حتى نصل إلى مدرستنا ؟ لماذا نخرج في جماعة إلى المدرسة لكننا نعود ناقصين بينما يضاف إلى عدد شهدائنا المزيد؟! لماذا ينعم بالحياة أطفال العالم بينما نحن يا أختي هكذا ؟! هل تعرفين يا أختي ما أريد من تلك الحيا ة؟ فترد عليها أختها متسائلة، ماذا يا كبيرتي ؟ فتجاوبها صباح، أريد أن أكمل تعليمي وأدرس الطب حتي أداوي جرحانا كما أني أريد أن يكون لي دورا في تحرير بلادي حتي ولو كان ذلك بدمي .
وهنا تدخل الأم لتذكر إبنتيها بموعد طابور الصباح، يابنات هيا اسرعن فما الطريق للمدرسة بالقريب ولا باليسير وهنا تنهض الفتيات الثلاث متجهات إلى المدرسة في تحد لكل ما هو آت . وبعد رحلة من المشقة والعناء ينجح الزهور في الوصول إلى المدرسة. وبالفعل ينتهي اليوم الدراسي على خير. وصبا ح رائدة الفصل كما أنها الطالبة التي حصلت على المركز الاول على المستوى إدارة "خان يونس" التعليمية في الصف الثاني الثانوي وها هي شهور قليلة وتتهيأ الفتاة للحاق بدراسة الطب، في أمل لتحقيق حلم العمر بالنسبة لها. وتشهد مدرسة خان يونس الثانوية بنات حفل لتكريم للمتفوقين، وتنال صباح قلادة التكريم وتشجيع وإعجاب الجميع .
ولما لم يكن كل ما يتمناه المرء يدركه ، فصباح الأكثر علما بين تلاميذ المدرسة وهي أيضا الأكثر جرأة وشجاعة بين بنات جيلها ، فها هي تخترق الحواجز لتواصل سيرها فإذا برصاص الغدر ينطلق مطاردا إياها ، ولكن الفتاة رائدة الفصل بالفعل يجب أن تضرب المثل لباقي زميلاتها ، وما بيدها سوى رمي الحجارة على كلاب الأذقة، فصباح لا تخشى نباح الكلاب، ولكنها في تلك المرة لم تنجح في تحقيق ما اعتادت عليه يوميا ، ولم تستطيع الهرب وإذا بأعين الجبن ترصدها وتنال خالب الطغاة من جسدها النحيل فيسقط أرضا وتسيل الدماء على الإسفلت لتغسل به عار الاخرين . واليوم تتحقق نبوئتها فتهدي صباح بجسدها الطاهر إلى بلادها، و ما من أمل اليوم أن تعود إلى الحياة تلك العذراء ، لتذهب ضحية إنسان لا يملك أعطي وأسرف في في عطاءه لمن لا يستحق . وتجري أنهار الدموع لتسبح فيها أمواج الغدر. فتحفر في قلوب بنات أرض الزيتون نقوشا من الآلام يصعب إزالتها مع الايام .
ويصل الجثمان الطاهر إلى أسرته بعد أن نالته عناكب الظلام بعد أن فشلت في حمل الفتاة على الإستسلام. ويقع الخبر على مسامع وأعين الأهل كالصاعقة ولكن الأم التي ربت الشهداء لا ينهار الجبل بداخلها ، فكما قدمت أم صباح من قبل إبنيها البكريين شهداء يوما ما ، لقادرة على تحمل تلك الفاجعة بصلابة يندر وجود مثيل لها لتعلم أمهات الأرض درسا يصعب نسيانه . وكذلك الأب الذي يصلي على الجثمان صلاة لا ركوع لها ولا سجود . ثم يتوجه إلى الجميع معلنا إصراره على إنجاب المزيد من الأبناء والبنات . فما معني الحياة إن لم يكون المرء امتداد لمن سبق وبذرة لمن هو آت ، نعم أليس هذا ما ودعتنا به صباح؟!

الصيام في الثقافة الإنسانية

بقلم: طه على أحمد
باحث في العلوم السياسية

تحل علينا بعد ايام مناسبة تتكرر كل عام دون أن تنال منا ما تستحق من التأمل، وهي شهر رمضان الذي اختصه الدين الإسلامي بالصوم، ومن هنا يفتح الباب على مصراعيه بخصوص الصوم ومناقبه في التراث الإنساني ذلك أن الصوم لم يكن حكرا على الدين الإسلامي، فمنذ بدء الخليقة والصوم واحدا من ابرز المظاهر التي عرفها البشر على مر التاريخ لأغراض وبأشكال مختلفة. لقد عرف الصوم من قبل كافة المعتقدات السابقة على الديانات السماوية وما تلاها، فقد اعتبرت ممارسة الصوم وسيلة لإعداد الأفراد خاصة (الكهان والكاهنات للتقرب من الآلهة . ففي الديانات الهيلينية كان عبدة اكليبوس إله الطب في الميثولوجيا اليونانية، يعتقدون بأن الإلهة يلهم النبؤات الشافية في الرؤى والأحلام لمن صام بإخلاص شديد من كهنته . كما شاع بين الكولومبيين الأوائل ـ سكان بيروـ اعتبار الصوم كفارة أو عقاب عن الذنوب والخطايا بعد اعتراف الفرد بها أمام الكاهن . وفي العديد من الحضارات القديمة كان الصوم يعتبر وسيلة لرفع غضب الآلهة أو لإعادة بعث إلهة بعد موته، كما هو الحال علي سبيل المثال بالنسبة لرب النبات.
وفي الديانات التقليدية قبل معرفة البشرية للتدوين مورس الصوم غالبا قبل وأثناء طلب الرؤية وقد كان ذلك لدى هنود شمال أمريكا سكان السهول الكبرى وشمال غرب الباسفيك.وقد عرف الصوم عند الهنود الحمر سكان جنوب غرب أمريكا كمظاهر مصاحبة للاحتفالات عند تغيير الفصول الموسمية . وفي جميع الديانات العالمية الرئيسية يعد الصوم لأغراض خاصة أو في أوقات لها قداسة خاصة خاصية مشتركة بينها . وفي اليانية علي سبيل المثال يعد الصوم وفقا لقواعد خاصة وممارسة أنواع معينة من التأمل طريقة أكيدة يصل ممارسها لحالة السمو والارتقاء . وفي الصين حتى عام 1949م كان مألوفا ملاحظة فترة محددة للصوم والانقطاع قبل التضحية في ليلة الانقلاب الشتوي قبل أن يبدأ الإلهة يانج (القوة الموجبة) دورة جديدة. وقد عرفت البوذية الصيام أيضا في أوقات محددة وفق النظام القمري ، ويعتبر اكتمال القمر اي تحوله إلى بدر مبدأ ومنتهى للصيام وفريضة الصيام عند البوذيين تعني الامتناع عن الطعام خاصة المطبوخ منه مع السماح ببعض المشروبات ويمارس البوذيون الصيام كوسيلة من وسائل تطهير الذات الإنسانية وأداة ناجحة لتحرير العقل الإنساني من الأوهام والأساطير وتقوم بعض الفرق البوذية التي تقطن في منطقة التبت بالصوم في سياق التمارين الروحية الخاصة برياضة اليوغا، فالصوم عندهم يولد الطاقة الداخلية التي تساعد النفس على كبح شهواتها واطماعها وتحقيق السكينة والصفاء الذهني.‏ أما الهندوس في الهند فيصومون في الأيام الأولى من الأشهر القمرية ، فضلاً عن الصوم في مناسبات وأعياد خاصة بهم ، مثل أعياد "ساراسواتي بوجا" والصوم عند الهندوس يعتمد على قدرات الفرد ، وقد يمتد ليوم كامل بأكمله ، حيث يمتنع الهندوسيون الأكل والشراب والأطعمة ، وأحياناً يخففون من وطأة الصوم بشرب الماء أو قدر من الحليب . ومن بين المعتقدات جميعها انفردت الزارادشتية بتحريم الصوم لاعتقادها أن هذا النوع من الزهد لا يساعد علي تقوية المؤمن في جهاده ضد الشيطان . أما المصريون القدماء فقد عرفوا الصيام كفريضة دينية يتقربون بها من أرواح الأموات ، ويعتقدون أن صيام الأحياء يرضي الموتى لحرمانهم من طعام الدنيا، وفي الوقت نفسه تضامنا معهم. وفي البهائية يحتفل البهائيون في الثاني من مارس كل عام بالصيام البهائي ، فيقوم الكتاب المقدس لدي البهائيين "الأقدس" : "سبحان الّذي نَزَّلَ الحُكْمَ كيف شآء انّه لهو الحاكم على ما أراد. يا أحبّائي ان اعملوا بما أُمرتم به في الكتاب، قد كُتِبَ لكم الصّيام في شهر العلاء صوموا لوجه ربّكم العزيز المتعال، كفّوا أنفسكم من الطّلوع إلى الغروب…" كما يقول أيضا "يا قلم الأعلى قُل: يا مَلأ الإنشاء قد كُتبَ عليكم الصيام أيام معدودات وجعلنا النيروز عيداً لكم بعد إكمالها. كذلك أضاءت شمس البيان مِن أفق الكتاب مِن لدن مَالك المبدأ والمآب".
وقد جاءت الديانات السماوية (اليهودية – المسيحية- الإسلام) لتؤكد علي حتمية الصيام خلال فترات معينة من العام وإن اختلف مفهوم الصوم ودلالته في كل ديانة . ففي اليهودية يتسع الصوم إتساعاً مطاطياً ، ويتفرع بتفرع اجتهادات أحبار اليهود حول الفرائض والعبادات الواجبة . وقد كانت تلك الاجتهادات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها اليود على مر التاريخ، وبشكل عام ينقسم الصوم عند اليهود إلى فردي (شخصي) يسمى صوم الأسر يمارسه اليهودي عند نزوله به مصيبة أو حزن أو اقترافه لخطيئة أو جريمة والنوع الآخر صوم جماعي، ويكون في حالات الكرب والحزن والقلق الجماعي من كارثة ما، كأن يصومون في حالة جني محصول سيئ، وفي حالة هجوم أسراب شرسة من الجراد، وتفرض الشريعة اليهودية على أبنائها صيام يوم واحد في السنة ويسمى هذا اليوم "يوم عاشوراء اليهود" ولا يزال حتى يومنا هذا. وبالنسبة للمسيحية فالصوم هو الإمساك عن الطعام لهدفين الأول: من أجل الآخر (الإنسان) والخليقة.والثاني: العلاقة مع الله، فالصوم ليس موضوع طعام وشراب وإنما هو مدرسة تربوية لتهذيب الإنسان روحيا وجسديا فهو يطوع جسده له كي يمتطيه وليس العكس وروحيا كي يتحكم بأهوائه وغرائزه ليبني علاقة قائمة على الإرادة الإلهية أي ما يريده الله منا نحن كبشر، ومن ناحية أخرى هناك ناحية الخليقة فالامتناع عن بعض المأكولات كاللحوم والحليب ومشتقاته هي كي يعيش الإنسان بسلام مع الطبيعة. وترى المسيحية أن الغاية من الصوم ليس الأكل والشرب لأنه ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان وإنما ما يخرج منه ومن ثم فالصوم هو تدريب، يدرب الإنسان ذاته على التحكم بذاته والسيطرة عليها، فيسيطر على غضبه وأهوائه. أما الدين الإسلامي فقد وضع الصوم كأحد أركانه التي لا يقوم إلا بها، فيقول القرءان الكريم "يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". كما اعتبرته السنة النبوية مكفرا عن الذنوب فقد ثبت في الحديث النبوي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ". وفي الواقع فإن الصيام في الإسلام كباقي الأديان السماوية ليس المقصود به الإمساك عن الطعام أو الشراب أو بعض الأمور الأخرى، بل كان من بين العديد من الأهداف التي شرع الصيام من أجلها دور اجتماعي ذات اثر بالغ على الوجود البشري فالصوم وبحسب الطبيعة فيه انكسار وخضوع وذلة أمام الخالق، فتنعكس تلك الحالة شكل تلقائي في النفس وان لم تكن بنفس المستوى تجاه الآخرين، وهذا له آثاره على مستوى القبول بالآخر والتقارب منه والعيش معه والالتفات له والاستماع اليه والعمل الى جانبه ومشاركته في الحياة، وهذا ما يخلق حالة من التضامن الاجتماعي، فالفقير يشعر بالعزة والمساواة مع الغني والعزيز بما يرفع من شأنه بعض الشيء وتصبح هناك إمكانية لكي يعيش الجميع على مقربة من بعض ويتفاهمون في سبيل بناء حياتهم ومجتمعاتهم. وفي صيام رمضان دعوة الى التكافل الاجتماعي من جهة للميسورين تجاه المعدمين بعد التحسس والشعور بعذاباتهم وآلامهم مع اجواء الانكسار وحسن الخلق التي يفرضها الصيام، وهو من جهة ثانية دعوة للتضامن الاجتماعي بين الناس. وفضلا عن التكافل الاجتماعي الذي ينطوي عليه الصيام فإنه ومن بين ما يحث عليه التقرب إلى الخالق من خلال العمل والتفاني من أجل الإنجاز والإضافة التي من شأنها الإعمار على وجه الارض والإضافة إلى الرصيد الحضاري، والتفاعل مع الحضارات الأخرى وصولا إلى الحضارة الإنسانية.
لقد اسرفنا في التفاعل مع شهر رمضان باعتباره مظهر ديني لا يخرج عن كونه عدة ايام يمتنع فيها الناس عن الطعام والشراب لفترات محددة ، ومصحوبة ببعض المظاهر التي اصبحت عئبا على كافة مناحي الحياة فيكفى ان نرف كم ما نستورده من ترفيهيات من حلوى وياميش رمضان حتى يتبين لنا ما يمثله شهر رمضان من عبء على ميزانيتنا القومية، بدلا من أن نجعل منه حافز ودافع للعمل من خلال ما يحمله الصيام من حكمة فيما يتعلق بقيمة العمل والانجاز. والله أعلم

العدالة الاجتماعية في الفكر الإنساني

بقلم: طه على أحمد
باحث في العلوم السياسية

لا تزال فكرة العدالة واحدة من أهم الأفكار الأساسية التي تسيطر على تفكير المنشغلين بالفكر السياسي. وتمثل العدالة نوعا خاص من الحكم الأخلاقي إذ تتعلق بالثواب والعقاب؛ فالعدالة في أبسط صورها هي إعطاء كل فرد ما يستحقه. ومن بين ما تعنيه العدالة ـ أيضا ـ توزيع المنافع المادية في المجتمع مثل الأجور والأرباح، وتوفير متساوٍ للاحتياجات الأساسية من إسكان ورعاية طبية... إلخ. كما تعني العدالة المساواة في الفرص بالمجتمع الذي يحيا فيه الإنسان؛ أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي وتحسين وضعه بجهده ودأبه. إلا أن ذلك لا يعني أن تكون المساواة مطلقة بتدخل من الدولة كما في الاشتراكية؛ لأن الناس لم يولدوا متساوين، بل تختلف مهاراتهم ومواهبهم وبعضهم أكثر استعدادا لبعض الأعمال من غيرهم، ولكن يجب أن تكون أوضاع المعيشة والظروف الاجتماعية الأساسية الدنيا واحدة للجميع. فمن الضروري مكافأة من يستحق ويجتهد، فالحوافز تساعد الأفراد على العطاء وتحقيق الذات وتنمية المواهب؛ لذلك فالمساواة من المنظور الليبرالي هي أن يكون لدى كل الأفراد فرصة متساوية لتنمية قدراتهم ومهاراتهم غير المتكافئة.
ولما كانت العدالة تحتل تلك المكانة المتميزة في الفكر الإنساني.. فقد آثرنا أن يكون التركيز في تلك المقالة على نظرية "العدالة الاجتماعية" عند الفيلسوف السياسي "جون رولز" (1921-2002) الذي تعامل مع العدالة كفكرة فلسفية لا كفكرة سياسية.
في البداية تجدر الإشارة إلى أن الفيلسوف الأمريكي جون راولز 1921 – 2001 من أهم المنظرين للعدالة كنظرية ومفهوم، ذلك انه عندما ترجم مؤلفه لأول مرة أحدث ذلك نقاشا محتدما في العالم القاري، ونفس الشيء حصل في العالم الانجلوسكسوني، بحيث أثارت "نظرية العدالة" نقاشات كبيرة يصعب الإحاطة بها، إذ أنه في الولايات المتحدة الأمريكية كانت الفلسفة الأكثر شيوعا و رواجا. بالإضافة إلى هذا لا يمكن إحصاء الكتب والمقالات التي كتبت عن هذه النظر.
بادئ ذي بدءن ينصب اهتمام رولز فيما يتعلق بالعدالة على المجتمع، وخاصة المؤسسات التي يتشكل منها المجتمع. حيث يرى رولز أن المجتمع يتكون من مجموعة من المؤسسات التي تعد بمثابة البنية الاساسية له. وفي مقدمة تلك المؤسسات يأتي الدستور الذي ينظم القواعد والأسس المسيرة لشؤون الحياة بالمجتمع.
ويبدأ رولز بتعريفه لأبسط الوجدات المشكلة للمجتمع وهي "المؤسسة". فالمؤسسة هي نظام عام من القواعد التي تحدد كافة الحقوق والواجبات والسلطات المتعلقة بتسيير العلاقات بعضهم البعض وكذلك علاقاتهم بالمجتمع ككل. وتوجد تلك المؤسسات حيثما يتواجد الأفراد في مجموعات تربطهم تلك القواعد والنظم.
ويميز رولز بين مؤسسة وأخرى بناء على عاملين إثنين:
الأول: هو أنها تلعب دورا في توزيع كل من الحقوق والواجبات والمنافع وأسس التعاون الإجتماعي. وبعمنى أدق فإنها تكون مؤسسة إجتماعية توضع في الاعتبار إذا كانت تؤثر في حياة الناس.
الثاني: إذا كان تأثيرها على حياة الناس يتوزع على الناس بالتساوي، وبين الجميع. حيث لا يتوزع على فئة دون غيرها. ومثال على ذلك، أنه لو كانت هناك شركة ضخمة في رأس مالها. وتوثر على السياسة الداخلية لدولة ما بشكل ضخم. فإن تلك المؤسسة تمثل جزءا أساس من المجتمع. حيث أنها من خلال تأثيرها على الشؤون السياسية تكون بذلك قد أثرت على المجتمع كله.
وبالنسبة لتك المؤسسات التي يعنيها رولز هنا، فإن مبادئ العدالة الاجتماعية لا تنطبق على كافة المؤسسات حيث أنها ـ أي المبادئ ـ تنطبق فقط على الهيكل الأساسي للمجتمع. الأنشطة الفردية أو الفئوية لا تمثل مؤسسة اجتماعية وبالتالي فإنها لا تقع في نطاق المؤسسة الاجتماعية. وهنا فإن مبادئ العدالة الاجتماعية تنطبق على الهيكل العام للمجتمع والذي يحتوي على المؤسسات ولكنها لا تنطبق مباشرة على المنظمات الداخلية للمؤسسات العديدة والمؤسسات التي تشكل الهيكل العام للمجتمع. ولا تنطبق مبادئ العدالة الاجتماعية مباشرة على أي مؤسسة أجتماعي من منظور منح وتشكيل القواعد التي يجب اتباعها في المؤسسة بشكل مباشر على الهيكل الأساس ككل وبإتجاهات محددة.
ويمكن النظر إلى المؤسسات الاجتماعية من منظورين لا يختلافان كثيرا عن بعضهما البعض. فهي يمكن النظر إليها كصورة مجردة يمكن التعبير عنها في صورة القواعد. وهي ثانيا الحركة التفاعلية بين سلوكيات الأفراد في زمان ومكان معينين. وعلى هذا فإن المؤسسات ـ وفقا لرولز ـ تمثل الأعمدة الأساسية التي يقوم على أساسها المجتمع. ولا ينبغي التفرق هنا بين تلك المؤسسات والأفراد. فالمجتمع يتسم بالعدل إذا ما اتسمت مؤسساته بالعدل في قواعدها والترتيبات المعدة لتسسير الحركة بداخلها وكذلك التي تنظم العلاقة بغيرها من المؤسسات وصولا إلى شبكة من المؤسسات في المجتمع ككل. وبناء عليه فإن المجتمع يمكن أن يكون عادلا حتى لو لم يكن أفرادة عادلين. فالعبرة هنا أن تكون شبكة الترتيبات المنظمة للمنؤسسات عادلة. وبهذا فإن شرط عدل المجتمع هو شبكة الترتبيات الناظمة للمؤسات التي تشكل البينة الأساسية.

وإذا راجعنا ذلك مفهوم العدالة من هذا المنطلق فسوف نجد أنه يستمد معناه التطبيقي من كلمة "القانون" وذلك على المستوى الإجرائي العملي دون الحديث عن المستوى المعرفي الفلسفي. فالقانون هنا يمثل الترتيبات التي تنظم صيرورة المؤسسات المجتمعية. وكلمة القانون في أصلها اللاتيني واليوناني تعني "القيد" أو الميثاق" الذي يحكم مسيرة الكيان الاجتماعي، ومن ثم فإن العدالة تعني ما هو مطابق للقانون- وهذا ما سبقت الإشارة إليه بالعدالة الإجرائية أو الشكلية- وأساس هذا المعنى هو أن التشريع، أو الإرادة الشعبية قد تبلورت في شكل نصوص معلنة، ووضعت في صيغة قانون أو مجموعة قوانين، هي ملخص للعلاقة بين ما هو "حق" وما هو "عدل" من وجهة ،نظر الجماعة التي صاغت تلك القوانين في مجتمع ما، وفي لحظة تاريخية معينة. ولكن هذا المفهوم "الشكلي" للعدالة قد تطور خلال القرن التاسع عشر- بصفة خاصة، وأدخلت عليه أبعاد موضوعية، هي التي أشرنا إليها فيما سلف عند الحديث عن ضرورة تدخل الدولة- أو السلطة العامة- تدخلاً إيجابياً لصالح الفئات الاجتماعية المحرومة أو العاجزة عن حماية حقوقها، أو الحصول عليها، وقد تطورت الأوضاع داخل المجتمعات الرأسمالية- ناهيك عن المجتمعات الاشتراكية- وتبلورت السياسات التدخلية للدولة من خلال عديد من "التشريعات الاجتماعية".
يرى رولز في كتابه نظريّة في العدالة a theory of justice أن “العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسّسات الاجتماعيّة، كما الحقيقة بالنسبة للنظريّات”. والعدالة هنا ليست إلاّ فكرة الصلاح في العلاقة مع الآخر. فالعدالة، تظهر حيث يوجد إنسان في علاقة مع إنسان آخر. فروبنسون كروز لم يمكنه أن يتساءل عن فكرة العدالة، في الجزيرة وحيداً، إلاّ حين انضمّ إليه إنسان آخر. قاعدة العدالة، إذاً، لا توجد إلاّ بشرط أن البشر يشكّلون مجموعة، ليس على قاعدة العرق أو اللغة أو الطبقة الاجتماعيّة فحسب بل على أساس اجتماع مؤلَّف بحجة غاية وفي كنف تنظيم يكون في خدمة هذه الغاية. العدالة، يضيف دابان، ليست قاعدة بسيطة للحياة الاجتماعيّة، بل ألقاعدة التي تسوس العلاقات بين الناس المجموعين في حلقة علائقيّة واحدة.
وهنا يثار تساؤل غاية في الأهمية:
هل يتحقق العدل في المجتمع بصرف النظر عن عدل أفراده؟ ماذا سيكون المجتمع العادل بعيدا عن عدل الأفراد؟
ويمكن الإجابة على ذلك التساؤل وفقا لما أورده جون رولز في صدر نظريته عن العدالة من خلال الإشارة إلى أن نظريةالعدالة الاجتماعية لـ رولز لا تعني بالسيطرة على أفراد المجتمع. وما يفعلونه. فالمؤسسات الاجتماعية هنا ـ والتي هي موضع اهتمام نظريته ـ توجد في حالة ما إذا اتبع الناس الإجراءات التي تمثل الترتيبات الناظمة للمؤسسات. فيمكنهم هنا أن ينتطمو فيما بينهم بمبادئ العدالة. حيث إن الناس تتبع القواعد المؤسسية المستمدة من مبادئ العدالة. حتى وإن كان ذلك من المنظور المؤسسي. وعلى هذا فإن العدالة الإجتماعية، وإن كانت منظور مؤسسي سوف تفرض على الأفراد مجموعة من المتطلبات. وهنا فإن تلك المتطلبات وفقا لما يوردها رولز تنقسم إلى نوعين: الأول: ما يسيها رولز بمبادئ العدالة والنزاهة Fairness وتطلب من أولئك الذين يشاركون بشكل طوعي في المؤسسات الاجتماعية أن يسهموا بنصيبهم في العدل وتحقيقه فيما بينهم. حيث يرى رولز أن مشاركة المناس في الأمور الرئيسية يجب أن تكون طوعية كمعظم الناس. وهنا يلعب مبدأ النزاهة دورا ما في تلك النظرية. أما الثاني من متطلبات الناس وهو ما يسميه رولز بالواجبات الطبيعية للعدالة وبعا يكون جزءان فتتطلب مننا أن ندعم ونستجيب للترتيبات المنظمة للمؤسسات التي ترتبط بنا. وكذلك ترتيبات العدالة التي لم توجد بعد. وعلى الأقل فحينما يمكن أن تكون بدون كلفة كبيرة على أنفسنا. بعبارة أخرى: فإنه ووفقا للحقوق والواجبات الطبيعية للعدالة، يتطلب مننا أن نتبع قواعد المؤسسات العادلة التي توجد بالمجتمع وأن نوسع من نطاق فاعلية المؤسسات العادلة حتى تنتشر النماذج الناجحة من المؤسسات الاجتماعية.
وهنا فإن رولز يرى أن الناس في حاجة إلى مكافأة عن العمل لتعطي افضل ما عندها. وهنا فإن العدالة تفهم لمصلحة الطبقات الأكثر فقرا وأقل ميزة في المجتمع. وفالثروة في المجتمع العادل يجب أن تتصف بالنزاهة والإنصاف ويجب أن تجري عملية توزيعها من خلال نظام للشؤون الاجتماعية. يسعى إلى تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
وفيما يتعلق بالنظام السياسي، يتساءل راولز في كتابه "نظرية العدالة" عن أعدل نظام سياسي- اجتماعي؟ سيحدد هذا النظام كيف ستعمل المؤسسات الاجتماعية على توزيع الحقوق والواجبات الأساسية، وعلى تحديد توزيع للخيرات الحاصلة للسابقين من الأفراد المفلحين. وهنا فإنه ـ رولز ـ يرفض تصور النفعيين Utilitaristes الذين لا يهتمون بالحريات الأصلية للأفراد، ويرى أن هذه الحريات لا يمكن بيعها وشراؤها ولا يمكن التضحية بها إذا تعارضت مع النفع العام. ولا ينبغي ان نتجاهل تركيز رولز على أنه المفترض أن توجد حماية للحقوق التي يشترك فيها جميع أفراد المجتمع، ويبتغي تصحيح الوضع الناتج عن التفاوتات، وهي تفاوتات ناتجة عن زيغ البعض عن الطريق الذي وضعته الجماعة لإدراك الفلاح في المدينة، والتصحيح يكون بتدخل المفلحين بألطافهم لتعويض سيئي الحظ، ومحاولة إعادتهم للجادة، هم أو من يقوم مقامهم من ذرياتهم.
قواعد العدالة عند رولز:
لقد استوعبت نظرية العدالة عند رولز النقد الماركسي التقليدي للرأسمالية المتطرفة في كونها استبعدت بعد العدل الاجتماعي في تركيزها المحموم على النمو الاقتصادي المتصاعد، وعلى التراكم الرأسمالي اللامحدود. وهكذا قرر "جون رولز" بكل جلاء ووضوح، ولأول مرة في تاريخ الفكر الليبرالي، أن هناك مبدءين للعدل: الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.
وتقوم العدالة من منظور النظرية الاجتماعية عند رولز على أساس مبدأين:
المبدأ الأول: لكل شخص ان يحصل على حق مُسَاوٍ في أكثر أشكال الحرية شمولا وأوسعها مدى، دون المساس بحرية الآخرين. المبدأ الثاني: يتم تسوية التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بحيث تكون أعظمها نفعا لأقل المستفيدين، ويترتب عليها مراكز ومناصب متاحة أمام الجميع تحت شروط المساواة العادلة في الفرص. إن المبدأ الأول هو مبدأ الحرية المتساوية، يهدف إلى منح كل شخص حقه وحريته السياسية الأساسية: كالحق في التصويت، وإمكانية شغل مناصب عامة، وحرية التعبير والرأي والفكر، والاجتماع والحق في الملكية الخاصة، واللجوء إلى القانون، وذلك دون النظر إلى وضعيته الاجتماعية. وبالنسبة للمبدأ الأول فيطلق عليه رولز " المبدأ الليبرالي للمساواة المنصفة في الفرص" إذ يقتضي حصول الجميع على فرص متكافئة للمنافسة على شتى المناصب. وهنا يدرك رولز ان هذا التنافس يحسم بنتيجة تكمن في حصول البعض على مواقع وثروات مما يسمح بظهور فروق اجتماعية، لكن داخل إطار محكوم بتكافؤ الفرص. المشكل بالنسبة لراولز هو السماح بوجود تفاوتات شريطة ان لا يخلق هذا مجتمع فئة محرومة من حقها في الحصول على حقوقها الكاملة والفرص الأساسية لحساب فئة أخرى تتمتع بامتيازات. ومن اجل تحقيق هذا المجتمع دعا إلى المساواة الديمقراطية . ومن ثم فإن المبدأ الأول ينظم عملية توزيع الحقوق والحريات الأساسية للجميع. بينما يوزع المبدأ الثاني المناصب والتفاوتات الاجمتاعية. على أن يرتب المبدىن ترتيبا تسلسليا. وفي إطار هذا فإن ما يتم توزيعه بموجب هذين المبدأين يسميهما رولز بـ " السلع الإجتماعية الاولية". من المبدأ الثاني يمكن أن يستنبط أن العدالة عند رولز يتشق منها الحرية الطبيعية، والحرية الليبرالية، والحرية الديمقراطية ويشير هنا أن الحرية الليبرالية مفضلة على الحرية الطبيعية، والحرية الديمقراطية مفضلة على الحرية الليبرالية. وبموجب هذين المبدأين يرى رولز أن كافة المناصب الإجتماعية مفتوعة للجميع على قدم المساواة. فالجميع له نفس الحقوق القانونية، في الوصول إلى كافة المناصب، الاجتماعية ذات الميزة. وأن تلك المناصب الاجتماعية تذهب إلى من هم ذات مزايا ومؤهلات تجعلهم الأفضل من حيث الكفاءة وليس على أسس غير منطقية، وواقعية.
وهنا فإن رولز يستعين بمبدأ الكفاءة الأمثلية الذي يستخدمه باريتو للتطبيق على النظم الإقتصادية، ولكن رولز يطبقه في مجال المؤسسات الاجتماعية. فيقرر رولز أن أية مخططان تكون كفئة وتتسم بالعدل عندما نحد أن تصميمها مخططه من أجل أن تجعل شخص ما أو فئة ما بعينها في وضع أفض من الآخرين. وبهذا فإن العدالة تتحقق عندما تكون الترتيبات المنظمة للمؤسسات الاجتماعية تم وضعها بحيث لا يمكن أن تتغير من أجل إعلاء شأن فرد أو فئة إجتماعية على حساب الأخرين، مهما كانت الظروف المحيطة داخليا أو خارجيا بتلك المؤسسة.
وفي الحقيقة فإن رولز ـ وفقا لهذين المبدأين ـ يعارض التصور القائم على التفاوت بين الناس الذي تتدخل فيه مجموعة من الاعتبارات "كالأصول الاجتماعية" أو" العرقية" أو "الجنسية" وغيرها، طبقية كانت أو سلطوية، مؤكدا بذلك على ضرورة التوزيع المنصف للثروات، بمعنى انه لا يجوز ان تكون فئة مستفيدة بإحدى الطرق السابقة، أي انه ليس لهم الحق في اكتساب قدر أكبر من الثروات إلا إذا ظهر بأن ذلك سيفيد بشكل أو بآخر أولئك الذين لم ينالوا سوى قسطا ضئيلا (الطبقات المحرومة) من الخيرات والثروات. وبالنظر إلى تلك المبادئ نجد أن رولز قد استقى إدراكه للعدالة الاجتماعية من فلسفة "أرسطو"، حيث تلتقي في كتابه الشهير عدة أطياف فكرية قارية و انجلوساكسونية. كما يتبين شدة تأثرهبمفاهيم نجد جذورها عند الفيلسوف الألماني " إمانويل كانط" عن مفاهيم الاستقلالية والكونية، والاستعمال العام للعقل "، كما يستحضر راولز نظرية التعاقد عند الفيلسوف جان جاك روسو، وإن كان قد اعتبر نظريته على قدر كبير من التجريد. لكن ينبغي التنبيه بملاحظة في غاية من الأهمية، وهي ان "راولز" قد تجاوز كل البنيات الفلسفية السابقة، وهو ما ساعده على بلورة نظرية جديدة للعدالة.التي تقوم على قواعد أخلاقية للعدالة كالإنصاف. ومن ثمة رصد الاختلافات التي تخترق هيكل المجتمع.
ويشترط رولز أن يتوفر التعاون من أجل أن تتحقق العدالة والإنصاف. وهو ما يختلف فيه مع التصور الليبرالي الذي يتسم بالإفراط فيما يتعلق بمسألة العدالة. فالتعاجون هنا يعد بمثابة عنصر استراتيجي لتوفير الرفاهية للجميع، حيث إن رولز ـ بذلك ـ يحث على البعد الاجتماعي في عملية إنتاج الخيرات مادامت تلك الخبرات سوف تعود بالخير على المجمع بشرط أن يكون ذلك موزعا على بالتساوي على كافة أفراد المجتمع من خلال مؤسساته الاجتماعية وهو ما يعرف بالعدالة التوزيعية. وبذلك فإن رولز يضع "مبدأ التعاون"في مقابل "الروح الفردية"، فإذا كان من نتائج التعاون توحيد الصفوف وتكامل الأدوار وإنصاف جميع الأطراف، فإن من نتائج الفردانية، التشرذم وطغيان الذاتية والأنانية على مبدأ المصلحة العليا، وعندما نتحدث عن تضارب المصالح فإننا نعني بذالك أن الأشخاص غير مهتمين أو مبالين بالقواعد التي يتم بها توزيع محصول تعاونهم من جراء تلهفهم لتحقيق أهدافهم، فكل فرد يفضل الحصول على الجزء الأكبر من هذه المزايا بدل الجزء الأقل، أي أن كل واحد يسعى إلى تحقيق مصلحته معتقدا أن مجهوده الخاص كفيل لبلوغ أهدافه وطموحاته وغاياته. ولهذه الأسباب وغيرها يتوصل "راولز" إلى ضرورة وضع مقاربة جديدة لمفهوم العدالة يتسنى من خلالها تحديد مبادئ أخلاقية وسياسية تشمل مختلف التصورات الممكنة لمسألة العدالة الاجتماعية وتكملها، بل ان العدالة كإنصاف، كما يرى راولز هي القاعدة التي ستضمن التوزيع العادل للخيرات وفق تصور أخلاقي ُيرضي الجميع، وذلك من خلال مبادئ العدالة الاجتماعية كما بلورها "جون راولز" والتي ستكون وسيلة فعالة لتوحيد الحقوق والواجبات داخل المؤسسات الأساسية للمجتمع، كما أنها ستساعد على التوزيع السليم والمتكافئ للأرباح .
غير انه على الرغم من الاختلاف الملاحظ عند الأشخاص حول المبادئ التي يجب أن تكون بمثابة الأسس القاعدية لمجتمعهم، ومع ذلك فوجود الاختلافات لا يمنع من وجود نظرة خاصة لكل واحد منهم للعدالة، بمعنى أنهم يدركون الحاجة إلى هذه المبادئ وأنهم مستعدون للدفاع عنها. هذه المبادئ تسمح بوضع الحقوق والواجبات الأساسية وتحقيق ما يعتقدون انه توزيع عادل للمزايا والأعباء الناتجة عن التعاون الاجتماعي، ولهذا يمكن القول أن مبادئ العدالة كإنصاف من شأنها أن تقدم تصورا شاملا لكل التصورات المختلفة للعدالة وتحتويها في نفس الآن، بشكل يجعلها تتخذ أبعادا قابلة للتطبيق عمليا داخل البنيات المؤسساتية متى توفرت الظروف المناسبة لذلك. فلابد إذا من وجود تنسيق بين مشاريع الأشخاص حتى يحصل انسجام بين الأعمال التي يقومون بها، وحتى لا يتضرر احدهم، ومن جهة أخرى، فلتحقيق هذه المشاريع يتعين أن يسمح بالوصول إلى أهداف اجتماعية عن طريق استعمال وسائل تكون في ذات الوقت فعالة وغير مخالفة للعدالة. وفي الأخير، فان نظام التعاون الاجتماعي يجب أن يكون مستقرا، وان تحترم قوانينه الأساسية، يتضح إذن أن هذه المسائل الثلاثة لها علاقة وطيدة بمبدأ العدالة، ففي غياب حد أدنى من التوافق بين ما هو عادل وما هو غير عادل سيكون من العسير علينا التنسيق بين الرغبات المختلفة. وانطلاقا من هذا تبرز أهمية إيجاد قاعدة أساسية لبناء تصور معقول لمفهوم العدالة، من اجل إيجاد صيغ مشتركة تضمن الحريات الأساسية للأفراد والمساواة في توزيع الترواث، وتلك هي مبادئ العدالة كإنصاف.
ومن هنا يتضح أن هدف نظرية العدالة كإنصاف هو محاولة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بإمكانية تحقيق مجتمع عادل يضمن لأفراده الحرية والمساواة، بحيث تكون الحدود المنصفة للتعاون موضع توافق بين المواطنين أنفسهم مادام الدخول لمجتمع التعاون يفترض المرور بمرحلة الوضعية الأصلية كإجراء لعرض نظرية العدالة كإنصاف.
مقومات العدالة
تقوم العدالة في الأساس على أساس عدة مقومات يمكن الإشارة إليها فيما يلي :
- المقوم الاقتصادي: الذي يعني بتوفير الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة الكريمة، ويعني كذلك وضع سياسة عامة للثروة القومية من حيث طرق إكتسابها وكيفية التصرف فيها، وحق الدولة في التدخل لتحديد الملكية، وإعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة.
- المقوم القانوني الحقوقي: الذي يضمن الحقوق الخاصة للمواطنين في نصوص واضحة ومعلنة- تجاه بعضهم البعض، وتجاه الدولة ذاتها، طالما كانت منضبطة بأحكام القانون، وسارية في مساراتها الشرعية.
- المقوم الفكري الأخلاقي: الذي تغذيه ثقافة تحض على التكافل وتعلي من شأن التعاون، وتنمي الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وتؤكد على فضائل احترام الغير، ومراعاة حقوقه المادية والمعنوية- ومسؤولية توفير مثل هذه الثقافة لاتقع على جهة واحدة، أو مؤسسة دون غيرها من مؤسسات التنشئة الفكرية والثقافية، بل هي مسؤولية كافة الجهات والمؤسسات، وإلى جانبها كل المفكرين وقادة الرأي والمبدعين والفنانين، وبهذا المعنى تصير ثقافة العدالة هي ثقافة الحرية، لأن العدل والحرية قيمتان تنبعان من أصل واحد، فالعدل والحرية هما في بناء قلب الإنسان وفكره ووجدانه وإرادته، بناء لامجال فيه للظلم والاستبداد. وعلى هذا فإنه لا عدالة في ظل خضوع الفرد للفقر، أو للقهر، أو لإنكار حقوقه الأساسية تحت أي ذريعة من الذرائع، ولا عدالة- كذلك- في ظل ثقافة تغذي عوامل التفرقة والتمييز والحط من كرامة الإنسان.

مستويات العدالة :
- المستوى الاجتماعي- السياسي العام، حيث تصير العدالة قيمة حاكمة للحركة السياسية وللممارسة الاجتماعية، وتكون محل إجماع عام من كافة القوى والاتجاهات المؤثرة في تسيير شؤون المجتمع، ويصير الالتزام بها عنواناً على وجود مجتمع عادل، ونظام عادل وسياسة عادلة.
- المستوى الفردي الخاص، حيث تصير العدالة محوراً للسلوك الفردي، وإطاراً مرجعياً عاماً لضبط تصرفات الأفراد ومواقفهم تجاه بعضهم البعض، فيكون الفرد عادلاً في ممارسة حقوقه، وعادلاً في أداء واجباته.
- لمستوى المؤسسي، حيث تكون العدالة إحدى أبنية النظام السياسي والاجتماعي القائم، وهي تتمثل- في هذه الحالة- في مجموعة من القوانين، والإجراءات، والمؤسسات، والوظائف، التي تكون مهمتها الأساسية تطبيق أحكام القانون. وتصير العدالة في هذا المستوى مرادفا للسلطة القضائية. وتكون هي الآلية التي عن طريقها يتم حسم المنازعات، واستيفاء الحقوق من مغتصبيها، وردها إلى مستحقيها. وثمة تقسيم آخر لمستويات العدالة يتلخص في التمييز بين العدالة الإجرائية (القانونية) من ناحية، والعدالة الموضوعية، التي تشير إلى معايير تنظيم الحقوق وتوزيعها- من ناحية ثانية، والعدالة في بعدها التنفيذي من ناحية ثالثة، حيث يتعين على الدول- أو السلطة العامة- أن تتدخل لصالح الفئات المحرومة، أو غير القادرة على الوصول إلى حقوقها، أو تلك التي يحال بينها وبين حقوقها لأي سبب من الأسباب.
العدالة عند أرسطو:
يرى أرسطو ان العدل هو الفضيلة التامة. إلا أنه ليس فضيلة مطلقة. العدل يشبه الخير الأجنبي كخير للأغيار لا لنفس الشخص القائم بالعدل فقط. فالعدل بهذا لا يتحقق إلا بالنسبة إلى الغير. لذا لا يعتبر العدل مجرد جزء من الفضيلة. بل هو الفضيلة بتمامها. وعلى الجانب الآخر فالظلم ليس مجرد جزء من الرزيلة، فالظلم هو الرزيلة في تمامها. وعلى هذا فالفضيلة تبقى هي الفضيلى مادامت مقتصرة على الفرد ذاته، أما إذا ارتبط بالغير أصبحت عدلا.
العدل كما قلنا جزءا من الفضيلة. والظلم جزءا من الرذيلة. فالذي يأتي الأفعال الأثيمة بجميع صنوفها يكون ظالما، فالظلم المطلق اسمه جور حيث أنه مخالفة للقانون. ما العدل الكلي فهو العدالة.
وهناك العدالة الجزئية: وهي ثلاثة أنواع: 1) العدل التوزيعي، 2) العدل التصحيحي، 3) عدل المقايضة.
1- العدالة التوزيعية: وهي تتعلق بالثروات والمزايا التي يمكن \ان تقسم بين جميع أضاء المجتمع. والعدالة التوزيعية هي المساواة القائمة على نسب الاستحقاقات لدى الخصوم. فكل يتصور العدلوفقا لما يراه. فأنصار الديمقراطية يعتبرونها في الحرية ، وأنصار الأوليجاركية يعتبرونها في الثروة، وأنصار الأرسقتراطية يعتبرونها في الفضيلة. وبذلك تكون العدالة التوزيعية التساوي النسبي في الاستحقاقات. وهو ما يسمى لدى الرياضيين التساوي الهندسي.
2- العدالة التصحيحية: وهي تتعلق بالمساواة بين الناس في العلاقات الإرادية والاإرادية. وهيي لا تتبع المساواة الهندسية بل تتبع المساواة الحسابية. فالقانون يتعامل مع الناس على أنهم جميعا متساوون فيبحث فيما إذا كان الشخص جانيا أم مجني علية. ثم يعمل بعد ذلك على إرساء العدل التصحيحي. أي أن يجتهد القاضي في أن يسوي بين الأشخاص. فيجرد الجاني من الربح الذي حصل عليه. لصالح المجني عليه. من ثم فالعادل أو القاضي يكون موضعه هو تقويم الخطايا. وهو الوسط بين الخسارة أو الألم وبين النفع أو ربح الآخر.
3- عدالة المبادلة: عدالة المبادلة تختلف عن العدالة التوزيعية الهندسية والعدالة التصحيحية الحسابية. فالأمر يقتضي هنا التفريق بين ما إذا كانت الجريمة وقعت عن عمد أم غير عمد. وهنا فإنه في جميع الحالات توجد المبادلة التناسية التي ليست متساوية بالضبط. فالدولة لا تقوم إلا على تبادل المنافع. وهو يلزم وجود نوم من المساواة بين الأشياء. وهو ما يكون عن طريق العملة. التي تقدر بها قيمة الأشياء غير المتشابهة ثم تقوم المساواة على أساس العملة. والحاجة هي التي توجد الحاجة إلى المقايضة. فلولا الحاجة مالزم الناس المقايضة. فبدون معاوضة، لا تجارة ولا جماعة ، وبدون مساواة لا معاوضة، وبدون مقياس مشترك لا مساواة ممكنة، ووحدة القياس.
ضروب العدالة عند أرسطو:
تتعدد ضروب العدالة عند أرسطو فما بين الشخصية والإجتماعية والقانونية تتعدد تلك الصور لتطرح الصورة المكتملة التي يقوم على أساسها العدل بين البشر في المجتمع. ويصنف أرسطو أشكال العدالة وفقا لدوائر تتكامل فيما بينها لتصل في نهاية المطاف إلى سيادة العدل في كافة أشكال المجتمع. ويمكن الإشارة إلى ضروب العدالة عند أرسطو فيما يلي:
1- العدالة الشخصية: هي أن سمارس الفرد العدل. فالمزاولة الشخصية هي وسط بين ظلم مرتكب وظلم محتمل. فالأكثر يكون ظلما، والأقل يكون ظلما. وهكذا فإن المزاولة الشخصية للعدل هي أن يعطي الفرد الوسط ولا يستأثر لنفسه بالكثير وعطي غيره القليل إذا كان فيه نفعا. وألا يعطي لنفسه القليل ولغيره القليل إذا كان ضررا. فالعدل وسط بين الأقل والأكثر.
2- العدالة الاجتماعية: لا عدل إلا حيثما وجد قانون يفصل بين الناس، ولا قانون إلا حيثما وجد الظلم ممكنا. إن القاض الذي أودع السلطان هو حارس العدل، ومن ثم فهو حارس المساواة. وهو يعمل للخير. وإذا قام ذلك الحارس بدورة على أكمل وجه ستحق جائزة هي الشرف الاعتبار. وإذا لم يكتفي بذلك فإنه يصبح طاغية. بالنسبة للأب والأبن والسيد والمسود فلا عدل أو ظلم يمعني الكلمة التي تنطبع على العلاقات المدنية بين الناس، حيث لا ظلم فيما ملكت يداك. ولا ظلم بين الأب وأبنه. أما الزوج والزوجة فينطبق عليهما العدل السياسي.
3- العدل القانوني: العدل القانوني يتخلف من مكان إلى آخر. فالمكاييل والأحجام ليست متساوية في كل مكان. كذك الحال بالنسبة للحقوق الطبيعية. كذلك الدساتير ليست متماثلة من مكان لآخر. والظالم يكون ظالما في ذاته حتى يرتكب ظلنعمه وفقا للقانون. أما إذا لم ينله القانون أصبح ظالما في ذاته.
العدالة عند أفلاطون:
يرى أفلاطون أن العدالة هي مبدأ لكل شيئ يؤدي العمل المناسب لطبيعته. وهي مبدأ الحكم الأنسب لكل التصرفات. وبالمعنى السياسي، فإن هذا المبدأ يجب أن يحتضن من المجتمع الي يؤدي فيه المواطنون الأعمال المهيئين لأدائها، ففي نفس كل فرد من هذا المجتمع يكمن هذا المبدأ ولا يمكن اكتشافه. إلا إذا أدى كل فرد الوظيفة التي تتناسب مع طبيعته . وفي المجتمع ، وعند كل فرد يجب أن يكون الحكم للعقل بشرط أن يكون مقرونا بالعدالة التي ستحقق الانسجام بين الافعال و الأحكام . وإن حكم العقل ليس طغيانا ولكنه انسجام بين افراد المجتمع السعداء والمجتمع نفسه . وعلى هذا فإن العدالة تختلف بحسب المستوى، فالعدالة على مستوى المجموع، أو المدينة تعني السياسة. أما على مستوى الفرد فهي الفضيلة، وكلاهما يؤدي إلى نفس الغاية. فصلاح المجتمع وإرساء العدل فيه يقوم على الفضيلة التي تبدأ من عند مستوى الفرد.
العدالة عند روبرت نوزيك:
وعلى الموقف المغاير لرؤية رولز يعتبر روبرت نوزيك أن فكرة العدالة المؤسساتية فكرة طوبائية حيث يهاجم دور الدولة في تأمين العدالة الإجتماعية في التوزيع. فيعتقد أن السوق هو الذي يفرض نظام الدولة، لذلك نجده ينتقد نظرية رولز ويتطرف في القول إلى أن الثروة برأيه (نوزيك) فهي نتاج عمليات نظام السوق المعقدة، فلا تعد هذه الثروة مالاً للجميع حتى يقال بعدالة التوزيع. وعلى هذا تكون الثروة في فكرة نوزيك ما هي إلا محصلة المبادلات الحرة والجهود الشخصية. وهو ما يجده نوزك عدلا بحد ذاته فجميع النظريات التي تنادي بالعدالة ـ برأي نوزيك ـ لا تراعي حرية الفرد.
العدالة في الاسلام
أما على الجانب الإسلامي فيمكننا أن نكتفي بالإشارة إلى إجمالي فكرة العدالة في ضوء القرءان الكريم:
فالعدل هو احد اصول الدين ويشكل اساس وفلسفة الاصول الاخرى. والبحث في العدالة في المجتمع الإسلامي ودورها في التنمية والحياة له يجد جذور الأصيلة في القرآن الكريم، فالقرآن بيّن العدالة بشكل شامل وأشار إلى مفهوم: العدل، العدل التكويني، العدل التشريعي، العدل الاخلاقي والعدل الاجتماعي. ويرى القرءان الكريم أن الكون قائما في الأساس على العدل. فالعدل هو الغاية العليا للإسلام. فيقول القرءان الكريم (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) . ويعتبرالقرآن الحق الملازم للعدل اساس الخلقة، واعتبر مقام التدبير الالهي مقام القائم بالعدل.(شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم) . إن الحكم بالعدل والقسط في جميع مجالات حياة الانسان احد الاهداف الاساسية لبعث الأنبياء (ع)، والغاية النهائية لجميع الاديان الالهية. فقد اعتبر العدل أحد وظائف الانبياء. بل ان أوامر الله تعالى قائمة بالعدل والإحسان. والقرآن حينما يأمر جميع الناس بالعدل يشدد على المؤمنين بذلك. وقد اعتبر القرآن الكريم العدل صفة الإنسان الخلوق الذي يعتمد عند الآخرين. كما أجاز القرآن القتال من أجل رفع الظلم وابادة الظالمين. بل ان اقامة العدل واجبة حتى لو أدت إلى المواجهة مع العدو.والعدل هو الاساس في الثواب والعقاب يوم القيامة. إذاً فالعدل في نظر القرآن هو الاساس لجميع أصول الدين وفروعه من التوحيد حتى المعاد، ومن النبوة إلى الامامة ثم الزعامة، ومن آمال الفرد إلى اهداف المجتمع، وبعبارة أخرى ان العدل توأم التوحيد، وركن المعاد، وهدف تشريع النبوات، وفلسفة الزعامة والإمامة، ومعيار كمال الفرد، ومقياس سلامة المجتمع.
وفي الفكر الإسلامي ترتبط عدالة التوزيع بالعدل الإجتماعي، وتكافؤ الفرص في الضمان الإجتماعي، فالعدل وفقا وفقا للرؤية الإسلامية يعد من الأوامر الموجبة فهو أداء فعاليات الحياة في أي مجتمع. فالعدالة الإجتماعية يمكن تحقيقها ما توفرت الظروف الصحيحة لتوزيع عادل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من المستويات. وهنا يذهب الفكر الإسلامي إلى أن الحاجات الأساسية ترتبط بالدخول، ومعيارها يقترن بمعيار حد الكفاية في الدخول، إذ أن إشباعها ممكن عند مستويات الدخول المختلفة. إن تلك الحاجات ليست على درجة من الثبات لقد وضعت الشريعة الإسلامية تلك الحاجات للحفاظ على الضروريات وهي مقاصد الشريعة الإسلامية المتمثلة في الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والنسل والتي توصف بأنها مالابد منه من قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على إستقامة، بل على فساد وتهارج. .

الثلاثاء، 2 مارس 2010

اعتقالات اعتقالات و"الإستيعاب هو الحل"

اعتقالات هنا واعتقالات هناك. تلك هي الطريقة التي تتعامل بها الحكومة المصرية مع المعارضة السياسية، وخاصة جماعة الاخوان المسلمين. آخر تلك الاعتقالات وأبرزها ما تم في الثامن من فبراير المنصرم باعتقال ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد، وهو أعلى جهاز تنفيذي بالجماعة. وهؤلاء الثلاثة هم محمود عزت نائب المرشد وعبد الرحمن البر وعصام العريان عضوا مكتب الإرشاد، فضلا عن 13آخرين بالمحافظات في نفس اليوم. وقبل ذلك قامت قوات الأمن في 28 يناير باعتقال 31 عضوا بالجماعة.

وتأتي حملة الإعتقالات تلك بمثابة حلقة في مسلسل الفشل والتخبط الذي تتعامل به الحكومة مع المعارضة السياسية. وكذلك بغية الحيلولة دون بروز الإسلاميين على ساحة العمل السياسي. وخاصة بعد أن بات من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين على وجه التحديد هي أقوى أطراف المعارضة بفضل هيكلها التنظيمي المحكم. فضلا عن كونها أبرز النماذج التي تمارس الديمقراطية بداحلها بعد أن أعلن المرشد السابق مهدي عاكف عدم رغبته في تجديد ولايته وإجراء انتخابات ـ بالطبع لها ما لها وعليها ما عليها ـ على المنصب أسفرت عن وصول الدكتور محمد بديع لأعلى منصب في جماعة الإخوان على مستوى العالم. وهو ما يمثل إحراجا للنظام الحاكم، وكذلك كافة الأطراف الأخرى على الساحة السياسية وبخاصة في ظل تمسك جميع القيادات بمناصبها سواء بداخل النظام الحاكم أو الأحزاب السياسية، أو حتى قيادات المجتمع المدني التي يرأس كل منظمة فيها مؤسسها بشكل أبدي حيث لم نرى تداولا حقيقيا للسلطة بين تلك المنظمات التي يفترض أنها الدعامة الأساسية لتحول ديمقراطي سليم. وبالفعل فبدلا من أن يستفاد النظام من تلك التجربة ويخلص منها إلى درس مفاده أن "الديمقراطية هي الحل" فقد تمادى النظام في البطش والتنكيل بالمعارضة، ومواصلة الإعتقالات بين الجميع. وبدلا من استيعاب النظام للمعارضة والتعامل معها باعتبارها قوة دفع يمكنها أن تقوم النظام وتعضده من خلال الممارسة السياسية.

يخبرنا علم إدارة الأزمات بمنهجين لإدارة الأزمة أحدهما طيب والآخر خبيث. فأما الأول وهو الإستيعاب، يسمح النظام للفاعلين الآخرين بالتحرك بحرية حتى يصبح ذلك التنوع عنصر قوة للنظام المجتمعي societal system بأكمله. أما الثاني ، وهو الإحتواء فيتعامل فيه النظام مع القوى الأخرى من منطلق إدراكه لذاته على أنه الأقوى فيسمح بمجرد هامش للحركة للأطراف الأخرى مما يسمح له بالإستقرار واستمرار توازن القوى لصالحه. تماما كما كان الحال في تعامل الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي أثناء فترة الحرب الباردة. فضلا عن النموذج المغربي في التعامل مع الإسلام السياسي.

والحقيقة أن النظام الحاكم هنا في مصر يرفض التعامل بأي من المنطقين ـ لا الطيب و لا الخبيث ـ على الإطلاق. إذ يفضل تغليب المنطق الأمني على السياسي. فبعد أن ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية وظهور أيمن نور كقوة مقلقة للنظام. وبعد أن خرج الإخوان المسلمون بـ 88 مقعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2005. وكذلك بعد ظهور العديد من القوى الراغبة في التغيير مثل حركة كفاية والحركات الإحتجاجية الشعبية والمعارضة الإلكترونية ونشطاء حقوق الإنسان. بدأت حملة الاعتقالات والمحاكم العسكرية تطارد كل هؤلاء بدلا من محاولة استيعابهم. ففي 6 فبراير 2006 وبعد أن إسقط القضاء دعوى "خيرت الشاطر" و24 آخرين من أعضاء الإخوان أمر الرئيس مبارك بإحالتهم الى محكمة عسكرية حكمت عليهم في 15 أغسطس 2008 بأحكام أقصاها 10 سنوات.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمتين يتزايد تخبط الحكومة في تعاملها مع جماعة الإخوان باعتبارها أكبر القوى السياسية وأكثرها خطرا على بقاء النظام الحاكم. فقد بلغ عدد المعتقلين من الجماعة في عام 2009 حوالي 5025 معتقل بزيادة قدرها 27% عن عام 2008 الذي شهد 3674 معتقلا وكذلاك بزيادة قدرها 47% عن العام 2007 الذي شهد 2669 معتقلا. والمتأمل في ذلك التسلسل يجد الإعتقالات تتزايد كلما اقترب موعد الانتخابات بهدف تحجيم مكاسب الجماعة مستقبلا.

وفي النهاية فإن الحكومة تتبع اسلوب التخبط الأعمى في التعاطي مع المعارضة التي يرى النظام فيها خطرا على بقاءه. وهنا نرى أن الإسلوب الأمثل هو استيعاب كافة أطراف المعارضة لتشكل نسيجا متكاملا يعكس تنافسا حقيقيا يضمن حرص كل طرف على بقاء الآخر لأنه له في ذلك قوة. وهذا ما نراه أحد الركائز الأساسية للديمقراطية. فيصير شعارنا "الاستيعاب والديمقراطية هما الحل". والله أعلم


طه على أحمد

باحث في العلوم السياسية


الأحد، 6 ديسمبر 2009

المؤتمر السنوي للحزب الوطني ودبلوماسية الشعارات

مرة أخرى يخرج علينا الحزب الوطني الديمقراطي بشعار جديد تتجلى فيه المهارات الفائقة للحزب في إختيار شعاراته التي يهدف من خلالها إلى إضفاء هالة برّاقة تصرف الأنظار عن خواء آدائه الفعلي وانتهاكاته لأبسط قواعد حقوق الإنسان.

يرجع تاريخ المؤتمرات السنوية للحزب الوطني إلى مؤتمره العام الثامن الذي انعقد في شهر سبتمبر 2002، والذي اعتبره إعدادا للإنطلاقة النوعية في أدائه ليسن سنته الجديدة بأن يجتمع الحزب سنويا وليس كل أربع سنوات فقط. وقد جاء المؤتمر الأول تحت شعار " الفكر الجديد وحقوق المواطن"، من أجلك أنت"، و الثاني "العبور الأول"، والثالث "العبور الثاني"، والرابع "فكر جديد وانطلاقة ثانية نحو المستقبل"، والخامس "مصر بتتقدم بنا". ليرسخ بذلك ريادته في دبلوماسية الشعارات كأداة لتوجيه الجماهير.

و"من أجلك انت" هو اخر تلك الشعارات. فمن أجلك انت جاء المؤتمر، ومن أجلك أنت تضافرت الجهود. إلا أن ما اغفله الحزب هو أن يوضح لنا من هذا الـ "أنت" الذي يخاطبه الشعار. وفي الحقيقة فإن كان المخاطب في ذلك الشعار هو المواطن المصري البسيط، وإقناعه بأن النظام قد التزم في أدائه بالعدالة الإجتماعية فى توزيع عائد التنمية و توفير الخدمات. إن كان الأمر كذلك، فما أوسع الفجوة بين أقوال وممارسات النظام. ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس مبارك زيادة مرتبات العاملين بالدولة بنسبة 30% أثناء الاحتفالات بعيد العمال في شهر أبريل 2008 فإذا بالتضخم العام يصل إلى 21.1% مع زيادة تفوق هذه النسبة في أسعار السلع الغذائية والوقود وهي أقرب ما يتصل بحياة المواطن البسيط. وإذا كان هذا الـ "أنت" هو الفلاح المصري الذي تغني به الحزب الوطني كثيرا ـ حيث يذكر الموقع الرسمي للحزب أن المؤتمر هو بحق "مؤتمر الفلاح" وأن هذا المؤتمر هو الذي أنهي معاناة الفلاحين بصدور توصيات مهمة، وأن الرئيس مبارك اهتم بمشاكل الفلاح وتحسين مستواه" سوف نجد أنه في خلال 72 ساعة من انتهاء المؤتمر صدرقرار رئيس الوزراء بأحقية من استصلح قطعة أرض أقل من 100 فدان أن يتملكها بأسعار عام 2006 على أن يكون السداد نقدا وفورا بمجرد الإخطار بالأسعار، وهو ما يمثل قمة التعسف حيث كانت أسعار ذلك العام أعلى المعدلات في الآونة الأخيرة ـ ولم تحدد بأسعار 2003 مثلا حيث كان سعر الفدان بألف جنيه للزراعة. وبألفي جنية لأصحاب المنتجعات ـ وعلى هذا فقمة المستحيل أن يكون المخاطب بالشعار هو الفلاح المصري.

وربما يكون المخاطب بالشعار هو قوى الإصلاح والمجتمع المدني إذ يقول الرئيس مبارك في كلمته أمام المؤتمر أن مصر كانت ولاتزال أحد أهم منارات الإصلاح والليبرالية على مستوى العالمين العربى والإسلامى، وأنها كانت دائما فى طليعة الدول التى قادت عمليات التطوير الحضارى والانفتاح على الآخر. وأكد سيادته مرارا في الجلسة الخاصة بالمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان على دور المجتمع المدني الأكيد في مراقبة الإنتخابات القادمة والتأكيد على ترسيخ المواطنة وحقوق الإنسان. هذا ما قيل ولكن في الواقع العملي نجد في الوقت ذاته المجتمع المدني يحاصر من الدولة، فضلا عن الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان والتضييق على حرية الرأي والتعبير. كما أشارت العديد من المؤسسات الدولية مثل صحفيين بلا حدود ومنظمة العفو الدولية ناهيك عن الاعتقالات المستمرة للمعارضة السياسية ، وصولا إلى إحتلال مصر المركز الـ115 بين 180 دولة في تقرير الشفافية الدولية. وعلى هذا فلا يعقل بالطبع أن يكون المخاطب بشعار الحزب الوطني قوى الإصلاح

. قد يكون المقصود بالـ "أنت" ـ الواردة في الشعار هو رجال الأعمال من ذوي الحظوة تجاة النظام، أو الإعلاميين من ذي النفوذ لدى النظام الحاكم. أو ربما يكون المقصود هو الحزب الحاكم . الموكد أنه ليس المقصود بأي من الشعارات التي تمطرها سماء الحزب الوطني لا هو المواطن المصري البسيط، ولا الفلاح، ولا حتى قوى الإصلاح والمجتمع المدني.

وأخيرا، فقد هبت علينا رياح ثورة التحديث التي فجرتها أمانة السياسات بالحزب الوطني ودشنها أحمد عز أمين التنظيم في كلمته أمام المؤتمر. إلا أن أبرز سمات تلك الثورة هي السطحية المفرطة في خطابها، والإنحياز الكامل لصالح النخبة المسيطرة، وتجاهل مصلحة المواطن المصري لصالح القلة الحاكمة. إن قليلا من التأمل في تلك الشعارات الستة السابقة يكشف كثيرا من الاستخفاف الذي يتعامل به الحزب الوطني مع قضايا جادة تخص مستقبل الوطن. فكما يتم صرف الأنظار عنها بإلقاء الضوء على مباريات كرة القدم، ثم أيضا تركيز الأضواء على مكافآت اللاعبين وصحتهم ـ ذلك أنهم يحملون بين أقدامهم آمال وأفراح الأمة ـ فإذا بشعارات الحزب تتلألأ لتعمي ببريقها عيون البسطاء وتصرفهم عن المطالبة بأبسط حقوقهم وهي المساهمة في تقرير مصيرهم. بين هذا وذاك قد لا يكون المواطن بعيدا عن مجريات الأمور كما يظن الحزب الوطني. أو ربما أكون مخطئ ، و يصيب الحزب الوطني، وتنتصر دبلوماسية الشعارات ..... والله أعلم

الواقعية في العلاقات الدولية

ماذا تعني نظرية العلاقات الدولية؟

في البداية وقبل الخوض في النظريات التي تسعي إلى تفسير العلاقات الدولية يجب علينا التعرض بشي من الايجاز للإجابة على السؤال المحوري الذي يصتطدم به أي باحث في العلاقات الدولية وهو: ماذا تعني نظرية العلاقات الدولية؟ وما هي الضرورة التي استوجبت التنظير للعلاقات الدولية؟. وللإجابة على تلك التساؤلات يمكننا القول بأن النظرية في أبسط معانيها تشير إلى اختيار مجموعة من الظواهرالمحدد وتفسيرها تفسيرا عاما يرضي أو يقنع أي شخص مطلع ملم بخصائص الظاهرة التي تجري دراستها. وعلى الرغم من أن العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية قد بذلوا العديد من الجهود من أجل صياغة نظريات على غرار نظريات العلوم الطبيعية ، فإن مصطلح النظرية في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم الاجتماعية بشكل عام يحمل معان متعددة . ومع تعدد الرؤى التي يقدمها الباحثون في العلاقات الاجتماعية إلا أن هناك اتفاق على وجود عدد من الصفات العامة التي تشترك فيها النظريات بصفة عامة وبخاصة النظريات المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية ومن تلك الصفات [1]:

1ـ أن تغطي النظرية جميع جوانب العلاقا ت الاجتماعية ـ الشمولية

2ـ أن يعبر عنها بفرضيات عامة تكون واضحة ودقيقة وقليلة قدر الامكان.

3ـ أن يتسق كل جزء من النظرية مع بقية الاجزاء الأخرى.

4ـ أن توضع النظرية في إطار يمكن الاستمرار من خلاله في تطوير النظرية وجعلها ملائمة للعصر.

5ـ أن تعبرالنظرية عن الواقع الدولي ـ في حالة النظريات العلاقات الدولية ـ وليست انعكاسا لوجهات نظر قومية.

6ـ أن تمكننا من التنبؤ على الاقل في بعض الجوانب وتجعلنا قادرين على وضع أحكام قيمية.

وعلى هذا فإن العلاقات الدولية وهي المجال الذي تدور في فلكه نظريات العلاقات الدولية قد شهد اهتماما بالغا، من الجانب التنظيري، وخاصة فيما بعد الحرب العالمية الثانية وعودة الفكر الواقعي إلى ساحة الاحداث متأثرة في ذلك بنتائج الحرب، وخاصة مع سقوط تراجع الفكر المثالي وروادة وسقوط الافكار المثالية التي راجت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، وذلك على خلفية الأطروحات التي قدمها الفلاسفة المثاليون ومن بينهم الفيلسوف إيمانويل كانط، من خلال أطروحته " السلام الدائم" والدعوة إلى الدولة العالمية، إلا أنه بعد أن سقط ذلك التوجه ليحل محله الفكر الواقعي، فقد عاد الواقعيون إلى الساحة، ليكون تفسير الأحداث على الساحة الدولية من خلال القوة كمدخل أساس في تفسير الأحداث على أساس القوة

النظرية الواقعية في العلاقات الدولية:

ترجع النظرية الواقعية في العلاقات الدولية إلى القرن الخامس قبل الميلاد حيث وضع الاسس العامة لها الفيلسوف سوثيديديس ،وذلك على خلفية خبرته لحرب البولينيز . وقد ذهب ثيديديس إلى أن السبب الرئيسي للحروب القائمة آنذاك ، هو قوة أثينا والخوف من اسبرطة.

لقد جاءت فكرة الدولة بداية عند الامبراطورية الرومانية المسيحية حيث وجد نوع من الوحدة المدنية في أوربا فيما بين 1500 و 1800ميلادية . فبعد سوثيديدس جاءت افكار ميكيافيللي التي أكدت على مبادئ ثوسيديدس. وتنطلق تلك الافكار من رؤية ما هو كائن بالفعل وليس ما ينبغي ان يكون. فالحاكم إذا أراد أن يحتفظ بالحكم فعليه أن يعي كيف أن لا يكون متمسك بالفضيلة وأن يستخدم مقدراته وفقا للحاجة. وبالنسبة الدبلوماسية فقد قدمت الواقعية من خلال سياسات الوزير الفرنسي كاردينال دي ريتشيلو الذي قاد فرنسا إلى حروب الثلاثين عاما من أجل عد سيطرة هابسبرج على أوروبا. وقد انتهت تلك الحرب بمعاهدة ويستفاليا 1648 التي تعد أول اتفاقية لتأسيس الدولة الحديثة. ومنذ ذلك الحين ونحن نجد العديد من الكتابات التي تدعم فكرة الواقعية ومن بين تلك الكتابات نجد الفسليوف توماس هوبز والمنظر العسكري كارل فون كلاوزيفيتش.

وقد مثلت الحرب العالمية الأولى تحد أساس للنظرية الواقعية. وخاصة في الولايات المتحدة التي اختلفت خبرتها عن أوروبا. وقد وضع الرئيس الامريكي وودرو ويلسون أربعة عشر مبدأ كأساس للسلام التالي. وقد تضمنت تلك المبادئ حظرالاتفاقيات السرية، حريةالملاحية والتجارة وخفض التسلح وتحديد المصير وإنشاء ماعرف فيما بعد بعصبة الامم .

وبعد الحرب العالمية الثانية أرسي هانز مورجانثو أسس الواقعيةالكلاسيكية في كتابه السياسةبين الامم الذي أصبح الاطارالتنظيري المرشد فيما بعد للكتابات التيتناولت الواقعية .

ومع إخفاق المدرسة المثالية في فرض ونشر قيمها وعدم قدرتها على التحكم في سير الاحداث والتنبؤ بها الامر الذي انتهي بنشوب الحرب العالمية نتيجة إغفال المدرسة المثالية لدور القوة والتعويل عليه في اتفسير الاحداث فقد جاءت المدرسة الواقعية لتحل محل المثالية .وعلى العكس من المدرسةالمثالية ،تذهب الواقعية التي سادت خلال فترة مابعد الحرب العالمية الثالنية،إلى أن سلوك الدولة يجب أن ينطلق من افتراض أن الفوضوية هي السلطةالأساسية للنظام الدولي .وأن سلوك الدولة يمثل نوعا من الاستجابة للفرص والقيود التي يقدمها النظام الدولي الفوضوي . والفوضويه هنا تعني غياب حكومة أو هيئة مركزية عالمية تفرض على الدول ذات السيادة الانصياع للقانون الدولي وتسوية مشكلاتها وفقا لمبادئ وقواعد هذا القانون . ويعني ذلك أن حالة الفوضوية تلك تشجع على التنافس والصراع بين الدول . وتكبح رغباتها في التعاون حتي عندما تكون هناك مصالح مشتركة. وبناء على ذلك ــ ووفقا لخصائص النظام الفوضوي ــ فإن الدول هي المسؤولةعن تحقيق أمنها. وفي بيئة استراتيجية كهذه فإن التهديد يكون أمر معطي خارجي يرتبط بالبيئةالخارجية بالتالي فإن الخطوة الأولى للتعامل مع هذ التهديد هي امتلاك القدرات العسكرية . ولأنه من الصعب التعرف على نوايا الدول الاخري فإن الأيسرهو معرفة قدراتها العسكرية بدلا من التعرف على نواياها . وفي كتابه المهم حول السياسة الدولية يؤكد كينيث والتز أن الأمن هو الهدف الاساسى والنهائي في ظل النظام الفوضوي . وهكذا ووفقا للواقعين فإن الحل الواقعي هو فكرة الردع . كما ترى المدرسةالواقعية أن أن الخطر أو التهديد ينشأ إذا ما استنتجت قوة عدوانية أو دولة تسعي لتغيير الواقع القائم أن القوى المهيمنة في الوضع الراهن إما ضعيفة أو أنها تفتقد إلى القدرة على حسم الصراع . وهذا الاستنتاج قد يدعوا الدولة إلى تحدي الوضع القائم من خلال إثارة إحدى القضايا الثانوية .

الركائز التي قام عليها الفكر الواقعي:

1- أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادئ الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي.

2- أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ.

3- وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ، كما فعل المثاليون، الرهان على أن المعرفة والثقافة، يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام.

4- أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة، فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة تشكل الدولة.

5- تعتبر الدولة الفاعل الوحيد في السياسة الدولية، وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية، أو الشركات متعددة الجنسية) كوحدات أساسية للتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الولي.

6- يقوم تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون طبيعيا موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة، وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.

7- النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.\

8- اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة.

9- اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل، حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.

وتعتبر أالواقعية أكثر النظريات اتصالا بالواقع الدولي وتعبيرا عن أوضاعه ومن دعاتها البارزين هانز مورجانثو" " استاذ لعلاقات الدولية الاشهر .ويقوم فكر مورجانو على فكرتي المصلحة interest والقوة powerوهنا تتحدد المصلحة في إطار القوة التي تتحدد بدورها في ناق ما يسميه مورجانثوبفكرة التأثير أو السيطرة control. وتعني تلك النظرية بالقوة ، السيطرة النسبية التي نمارسها الدول في علاقاتها المتبادلة وهي بذلك لا يمكن أن تتكون مرادفا للعنف بأشكاله المادية والعسكرية وإنما هي أوسع نطاقا من ذلك بكثير ففي النتاج النهائي ــ في لحظة ما ــ لعدد كبيرمن المتغيرات المادية وغير المادية ، ولاتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة ،وبحسب هذا الحجم تتحددد امكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول . ومن هنا تنظر النظرية الواقعية إلى المجمجنمع الدولي والعلات قات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو استراتيجياتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح لادول الاخري .

إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :

يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [2]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع . وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني (*) . وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية.

القوة في المدرسة الواقعية:

مثلت القوة العمود الفقري للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية ذلك أن حجر الزاوية في الفكر الواقعي هو التأثير أو النفوذ، وهو ما لا يتصور أن يكون بمعزل عن استخدام القوة بمختلف جاونبها. تعرف القوة على أنها التقدرة على جعل فاعل آخر أن يقوم بما كان سوف لا يفعله في حالة عدم ممارستها، وليس ماكان سيفعله. وتأسيسا على ذلك فإن أي طرف يعتبر فاعل إلى الحد الذي يؤثرون به في أخرين أكثر مما يؤثر الأخرون فيهم. إلا أن تلك الرؤية بخصوص القوة في الفكر الواقعي تتعامل معها من منظور التأثير. وعلى هذا تتجلى في الأفق إشكالية غاية في الأهمية وهي : ما هو الحال الذي سيكون عليه الفاعل الآخر في حالة غياب قوةالاول فالقوة تفسر التأثير، والتأثير يقيس القوة وهكذا فإنه من الصعب ان تستخدم القوة لتفسير أسباب الأحداث السياسية الدولية . وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام الشائع يتعامل مع مفهوم القوة كشئ آخر غير العملية process. ويعتقد منظرو العلاقات الدولية أن مثل التأثير الذي تنتجه القوة ينبني على سمات محددة أو مقدرات الدول مثل مساحتها ، ومستوى الدخل ، وحجم وقدرات القوات المسلحة فتلك القوة هي القدرة . والقدرة أسهل في قياسها عن التأثير . إن قياس القدرة لتفسير التأير ليس سهلا ومع ذلك فإنه يتطلب مجموعة من أنواع القوى المحتملة . فالدول لديها أعداد هائلة من السكان والأقاليم والقوى العسكرية وغيرها . وقد يكون المؤشر الفردي لقوة الدولة هو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي GDP الذي يتألف من المساحة ومستوى التكنولوجيا والثروة إلا أن الناتج المحلي الإجماليGDP هو أفضل المؤشرات . وبجانب العناصر الملموسة فإن القوة تعتمد على عناصر أخرى غير ملموسة . فالقدرات تعني للدولة تأثير كامن إلى الحد الذي يمكن عنده للقادة السياسين العمل بشكل فعال على إعماله أو تعطيله بشكل استراتيجي ، وهو ما يعتمد على الإرادة الوطنية والمهارات الدبلوماسية والتأييد الشعبي للحكومة (شرعيتها ) . ويؤكد البعض على قوة الفكرة في القدرة على تعظبم تأثير المقدرات من خلال عملية سيكولوجية . وتتضمن تلك العملية تحريك داخلي للمقدرات . ويكون ذلك ـ أحيانا ـ من خلال الدين أو الأيديولوجيا أوالإحساس بالقومية . ويكتسب التأثيرالدولي من خلال صياغة قواعد السلوك على تغيير نظرة الأخرين إلى مصالحهم إذا اصبحت قيم الدولة منتشرة بشكل واسع بين الدول. فعلى سبيل المثال نجد الولايات المتحدة الأمريكية قد أثرت بشدة على العديد من الدول حتي تقبل قيم السوق الحرة وحرية السوق والتجارة ، وهو ما يسمى بالقوة الناعمة . ويمكن للدولة ــ أيضا ــ أن تمتلك القوة بشكل نسبي للآخرين : فالقوة النسبية هى مستوى القوة الذي يمكن أن يجعل دولتين أن يتملاك بعضهم البعض . وهنا نجد أصحاب التفسير الواقعي للعلاقات الدولية ويعترفون بالتفسير المحدود المنبني على القوة . حيث أن القوة في أفصل الأحول توفر فهما تاما لمتوسط الناتج . وفي العلاقات الدولية عناصر للفعل أو الحظ فالفعل الأكثر قوة لا ينتصر دائما ، فالقوة توفر فقط التفسير النسبي[3].

والقوة هي إحدى الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدولة لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها ومصالحها في إطار سياستها الخارجية. فمفهوم القوة مفهوم عام شامل يستند إلى عوامل اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وبشرية، تؤثر في بعضها البعض وتعد عاملاً لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع الدولي.
وهناك جملة من المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية، وأهمها :

- التدخلات المباشرة ( كالحرب العسكرية ) واستخدام القوة العسكرية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر المؤامرات وحرب العصابات.

- التحالفات الجماعية ( تحالفات سياسية عسكرية – كالحلف الأطلسي، وتحالفات سياسية اقتصادية كالاتحاد الأوروبي ).

- التدخلات غير المباشرة ( كالعقوبات الاقتصادية والسياسية ) أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة. ومن أبرز الصفات الأساسية المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام القوة الجماعية أي التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة التي أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية وبخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وإن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهرت المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية المختلفة. إن انتشار التكتلات والتجمعات المختلفة كان هدفه الأساسي تحقيق أكبر قدرة ممكنة من القوة اللازمة لتنفيذ الأهداف والمخططات الموضوعة.

وفي هذا السياق توجد سياسة مركز القوة وتأثيرها في العلاقات الدولية، حيث تعتمد هذه السياسة بالأساس على القوة والقوات المسلحة ويشكل سباق التسلح جزء لا يتجزأ منها فهي ليست في الواقع إلا تعبيراً مباشراً عن مصالح الإحتكارات الكبيرة التي تستفيد من سباق التسلح وهي على استعداد لإستخدام القوة المسلحة في سبيل الإبقاء على سيطرتها. وما التوجه الواقعي للدبلوماسية والقانون الدولي إلا انعكاساً لسياسة مركز القوة، حيث يتلخص مفهوم هذا الخط الواقعي أساساً في أن العلاقات التجارية في علاقات لاقوة وان الأحداث التي تدل عليها هي ظواهر لهذه العلاقات وإن الرغبة في السيطرة هي السمة الأساسية والمميزة للعلاقات الدولية. ومن أشد الداعين إلى هذا المفهوم هو الأمريكي هانز مورجنثوا الذي ينتقد الوسائل القانونية في حل مشكلات السياسة الدولية ويدعو الدبلوماسية إلى التخلي عن القانون الدولي وألا تستهدي في سعيها إلا بعلاقات القوة. وكذلك يمجد لستر بيرسون وزير خارجية كندا السابق مفهوماً مماثلاً في كتابه ( الدبلوماسية في العصر الذري ). وكذلك جورج كينان سفير الولايات المتحدة السابق في الاتحاد السوفيتي والمعروف بدعوته إلى سياسة القوة[4] . وتمثل القوة السياسية مشكلة اجتماعية وعلمية في آن واحد. فالبعض يعتبرها منتهى الشر ويحاول إظهارجوانبها السلبية، بينما آخرون يعتبرونها قمة الخير ويحاولون إظها جوانبها الإيجابية. ويقف وراء عدم الاتفاق هذا خلفيات أيديولوجية محددة .فأنصار الفكر الماركسي يحاولون الربط بين القوى السياسية والاستغلال والتسلط الطبقي. ويرون أن التطور الاجتماعي سوف يؤدي إلى شكل معين من التنظيم الاجتماعي في المستقبل أي في ظل المجتمع الشيوعي.وعلى العكس من ذلك نجد الفكر الغربي بصفة عامة يؤكد على الجوانب الايجابية لعملية ممارسة القوة في تحقيق الأهداف والتكامل الاجتماعي والاستقرار السياسي وتحقيق الامن والامان للمواطنين .وفي الحقيقة فإن لاقوة في حد ذاتها سواء كانت في شكل سلطة أو نفوذ ليست شرا ولا خيرا وأن ذلك يعتمد على طريقة استخامها .فقد تكون عامل قهر استبدادكما قد تمون عامل استقرار وتكامل وأمن وأمان .صـ9.ومن ناحية أخرى يصر البعض على أن القوة السياسية هي هدف في حد ذاتها أي أنها مرغوب فيها لذاتها .بينما يرى أخرون أنها مجرد وسيلة لتحقيق الاهداف والحصول على القيم .ويقف وراء هذا الانقسام أيضا انقسام أيديولوجي .فالفكرالشيوعي الماركسي يرى أن القوة السياسية وسيلة لتحقيق أهداف الطبقة المستغلى المسيطرة أقتصاديا .بينما الفكر الغربي يميل إلى اعتبارها قيمة من القيم التي يعمل الافراد للحصول عليها لذاتها وليس لمجرد تحقيق أهداف أخرى .وفي الحقيقة فإن القوى السياسية قد تكون هدف بالنسبة للبعض ،كما قد تكون وسيلة بالنسبة للبعض الاخر وأن الامر يتوقف على الشخص أو الجماعة التي ترغب في الحصول على القوة كما يتوقف أيضا على الموقف[5] .ويرتبط بذلك أمر هاما أخر بطبيعة القوة وهو الحاص بحدودها .فيرى البعض أن القوة لا حدود لها .فكلما حصل الفرد أو الجماعة على قدر منها تطلع إل المزيد سواء كان ذلك لحبه لها أو لإستخدامها في تحقيق الأهداف الأخرى .وقد عبر عن ذلك توماس هوبزفي قوله ان البشر عموما يميلون إلى رغبة دائمة غير مستقرة في الحصول على مزيد من القوت لا يتوقف إلا بالموت .ولو أننا نرى أن الانسان الطبيعي عندما يحس بأن قوته مدعمة بدرجة كبية وليس هناك ما يهددها قد يتجه إلى تحقيق غيات أخرى ،فهي كأي شئ في الحياة تخضع لقانون تناقص المنفعة .وهنا يظهر تساؤل :هل القوة ذات طبيعة تراكمية وتحويلية .أي هل يؤدي امتلاك جزءمن القوة إلى امتلاك مقدارآخر.وكذلك هل يمكن تحويل القوة أو استبدالها بقيمة أخرى .وفي الحقيقة فإن امتلاك امتلاك القوة يساعد على امتلاك ركائز أخرى للقوة ،كما أنه يساعد على تحويلها من شكل إلى أخر واستبدالها بقيم أخرى في الحياة .ومن ناحية رابعة يصر البعض على على أن القوة السياسية تمارس من جانب واحد أي أن طرف واحد فقط يمارس القوة على الطرف الاخر الذي تمارس عليه القوة .بينما يسوق أخرون الحجج على أنها يمكن أن تمارس من كلا الطرفين في آن أي أن كلا الطرفين يمكن أن يمارس القوة على الطرف الاخر في نفس الوقت .وهنا فإن الامر يعتمد على طبيعة العلاقة بين الطرفين .وهنا قد يكون من الطبيعي التمييز بين ثلاث مواقف مختلفة هي[6]:

- أنه في أغلب الاحيان يزهر تفاوت واضح في مصادر القوة لدى أعضاء الجماعة أو بين الجماعات وبعضها البعض، وبالتالي يكون هناك شخص أو جماعة متميزة تمترس القوة على الاخرين .

- قد يكون أطراف العلاقة على قدر متساو من القوة ،ولكن كل شخص أو جماعة قادرة على التأثير في الاخرين في بعض الجوانب على الاقل في الوقت الذي يتأثر فيه بقوة الاخرين في جوانب أخرى ، أي أن هناك علاقة تأثير متبادل. وهنا يمكن القول بوجود ممارسة للقوة في هذا الوقت على الرغم من أنها قوة متبادلة من الجانبين .

- إذا كانت ممارسة طرف لمصادر قوته تقابل بمقاومة قوية من الطرف الاخر تفقدها فاعليتها تماما فإنه لايمكن بوجود القوة حيث أن اصطلاح القوة يتضمن التغلب على ما يعترض ممارستها من مقاومة .ومن هنا يظهر لنا أن القوة ذات علاقة نسبية .فالفرد وحده لا يمكنه أن يوصف بأنه قوي أو ضعيف ،ولكن يمكن أن يوصف بأ،ه قوي بالمقارنة بغيره من الناس وبالنسبة لموقف معين ،وأن يوصف بأنه ضعيف بالمقارنة بآخرين وبالنسبة لموقف آخر . ومن هنا يجب أن نلاحظ أ، القوة لا يمكن قياسها أو معرفة مقدارها إلا بعد وقوعها .فنحن لا نعرف أن (أ) له قوة على (ب) إلا بعد أن يتغلب على مقاومته . كما يمكن النظر إلى القوة السياسية بأنها سبب النشاطات الاجتماعية المنظمة كما يمكن أن أن ننظر إليها على أنها أيضا نتيجة لتلك النشاطات .أي أن القوة هي بالاساس سبب ونتيجة في آن واحد لقيام التنظيم الاجتماعي . فالتنظيم الاجتماعي هو عملية تحويل النشاط الفردي المنفصل إلى نشاط جماعي .متحد بما يساعد على تحقيق الاهداف ،أي أنه من أجل خلق القوة الازمة لتحقيق الاهداف مثل مثل الوصول إلى الحكم أو معارضة من هم في الحكم لابد من التنظيم .كما تسهم القوة في أداء الافراد لأدوارهم طبقا لما هو مقرر نظاميا وبالتالي في تحقيق الافراد والجماعات لأهدافهم المشتركة . ومن ناحية ثانية فإن القوة كظاهرة أو كعملية لا يمكن أن تظهر الا اذا بدأ الافراد في الدخول في تفاعلات مع بعضهم البعض في أي شكل من الاشكال .وبالتالي فهي تظهر خلال التفاعل والعلاقات الاجتماعية كمحصلة للتنظيم .فالتفاعل المنظم لا يمكن أن يتتحقق كنتيجة مباشرة لقيام بناء محدد للقيوة وانقسام الناس إلى عدة أدوار ومراكز اجتماعية متدرجة تمارس بعضها نماذج معينة من القوة على الاخرين .

وهكذا فإن القوة مثل الطاقة لا يمكن قياسها أو ملا حظتها بإسلوب مباشر .فوجود القوة وشدتها أمر لا يمكن ادراكه أو معرفته الا من خلال اساليب غير مباشرة أو عن طرق آثارها علىالواقع الاجتماعي .فالقوة كالكهرباء لا يمكن ملاحظتها الا عند استتخدامها ،وندرك تأثيرها ونشاهد مظاهرها زلكننا لا نرىالظاهرة نفسها .وهو ما يجعل الامرمن الصعوبة بمكان قياسها ويجعل هناك تعدد وعدم اتفاق بخصو.اهص

إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :

يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [7]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع .وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني. وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية .

النقد الموجه لواقعية هانز مورجانثو:

لقد تعرضت نظرية مورجانثوا لعدد من الإنتقادات التي يمكن إيجازها على النحو التالي :

أولا : أخفقت النظرية في تحديد المفاهيم المختلفة للقوة والتي من بينها القوة التي تأتي كنتاج سياسي political outcome و كلتالتي تكون مجرد أداة Instrumentality والقوة التي تؤثر كدافع محرك . Motivation. فالقوة من حيث الناتج السياسي ترتبط بمقدرة الدولة على إحداث تغييرات في سلوك الآخرين بالشكل الذي يتلائم مع مصالحها. والخلاصة أن تحليل القوة بالمفهوم الضيق لها كدافع فقط انما يضع قيودا وتحفظات لا يستهان بها على النظرية الواقعية وعلى قدرتها في التحليل وذلك على النحو الذي تحاول أن تنسبه إلى نفسها .

ثانيا : لم تقم نظرية مورجانثو بالتحلل المتعمق حيث عالج مورجانثوا المصلحة القومية كهدف سهل التحديد (مادامت المصلحة القومية تتحدد دائما وأبدا في إطار القمة ولا شيئ غيرها ) وقد يتناسب ذلك مع ظروف القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر ،إلا أنه لا يصلح ــ بالتأكيد ــ مع ظروف العلاقات الدولية في القرن العشرين ،أو كما قال سناتل هوفمان فان مورجانثوا قد أخذ هذه الف ةرت ــلاقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ،واعتبرها القاعدة التي بنى عليها تحليله الواقعي للقوة .ومن هنا فإن مورجانثوا يخلط بين مفاهيمه وتحيزاته وتصوراته كمراقب للعلاقات الدولية ،وبين الظواهرالدولية التي تحدث فعلا ،وهو يحاول أن يجعل هذه الظواهر أكثر التقاءا مع تحيزاته ومفاهيمه وبالعكس ،أو بعبارة أخرى فهو يحاول أن يصور الأمر كما لو كان هو والعالم يريا هذه المصلحة القومية من خلال منظار واحد هو منظار القوة . ويرى ناقدوا مورجانثوا أن المصلحة القومية تختلف في تحديدها بحسب المقاييس المستخدمة في التحليل ، فمن ذلك مثلا (أ)أن المصلحة القومية قد تتحدد في إطارالاهداف التي هي موضع اتفاق واسع داخل النظام القائم في الدولة وهنا يكون للمصلحة القومية مضمون معين ،(ب)ان المصلحة القومية قد تتحدد في إطار بعض التفضيلات التي تبديها بعض قطاعات الرأي داخل الدولة كجماعات المصالح أو الناخبين وهنا يكون لها مضمون آخر يختلف عن المضمون السابق.(ج) وأخيرا، فإن المصلحة القومية قد تتحدد في اطارالقراراتالتي تتخذها الاجهزة الرسمية المسؤولة عن تحديد قيم معينة تلزم المجتمع ككل . ثالثا:ان المآخذ الاخرى التي تؤخذ على النظرية الواقعية في رأي بعض ناقديها ، الصيغة الاستاتيكية العامة التي تطبع هذه النظرية ، فالنظام السياسي الدولي ــ في تحليلات مورجانثوا ــ هو نظام غير معتغير ، مادام أن مصالح الأطراف تتحدد دائما بدافع القوة تحت أي ظرف وأيا كانت طبيعة هذه لاطراف ،أي أن ها النظام سيظل محكوما ابدا وبالضرورة بصراعات القوى .وهذه الطبيعة الاستاتيكية كما يقولون ،تختلط بنوع من الفوضي بين ظاهرة صراعات القوى في الساسية الدولية ،وبين الاشكال الاسياسية لهذه الصراعات والمؤسسات التي تولدت في نطاقها في القرون الالخيرة أي أن صراعات القوى شئ والروف الدولية التي تحركها والمؤثراتالتي تختلقها ودوافع الاطراف التي تشارك فيها شئ آخر. رابعا : ان منهاج التحليل الذي يتبعه مورجانثو ينظر إلى عملية ينع السياسة الخارجية على أنها عملية ترشيديدة بإستمرار .بمعني أنها لا تخرج عن كونها عملية توفيق بسيطة بين الوسائل المتاحة وبين الاطراف التي هي ثابتة وموضع اعتراف عام في نفس الوقت .ولكن التحليل المتعمق لعملية صنع السياسة الخارجية وبخاصة المعاصرة منها يكشف عن الصراع المستمر والحاد في الدوافع المختلفة التي تحرك واضعي هذه السياسات وصولا إلى الاهداف التي يحددونها لدولهم ،وما دامت االهداف تختلف فإن الوسائل لابد وأن تختلف بالضرورة كذلك .

خامسا : ان القوة لا تستطيع أن تخدم وجدها كأداة لتحليل كافة الظواهر المعقدة في السياسة الدولية ،فإلى جانب القوة توجد قيم وعوالم أخرى تؤثر فيالسلوك السياسي الخارجي للدول مثل الرغبة في التعاون الدوولي كما هو حادث في كثير من التنظيمات الدولية مثلما هو الحال في غرب أوربا ،وهذه التجمعات التنظيمات تبني على أفكار وقيم أبعد ما تكون عن نظرية سياساتالقوى المذكورة [8].

ثالثا: تعميمات المدرسة الواقعية ليست دائما صحيحة عبر لزما ولا المكان فنتقاء الاحداث بشكل تعسفي أدى إلى تحليل جزءي ببل وانحيازي .فتارسخ أوروبا هو المرجع الرئيسي للتحليل الواقعي الذي ظل أسيرا لتاريخ أوربا في القرن التاسع عشر .والتصور الواقعي تصور جامدا وساكن (استاتيكي)لأنه عجز عن الماضي . ومن ثم الاهتمام بظوراهر جديدة في العلاقات الدولية مثل ظواهر الاندماج والعوامل الايديولوجية. [9]

رابعا: تتلخص العلاقات لدولية عند المدرسة الواقعية بين الدول .فالدبلوماسي والجندي هما اللذان يصنعنان العلاقات لادولية وقد نالت السياسة الخارجيةالنصيب الأكبر من أعمال الكتاب الواقعيين فقد أصبح نموزج الدولة الاوروبي رمزا ومرجا لكل دولة .ويقول الواقعيون بضرورةالفصل بين السياسة الخارجية والداخلية ،لأن الاولىتتخذ المصلحة أساسا لها ولا تراعى المعطيات الداخلية التي تدو نتيجة لذلك ثانوية .[10]

خامسا: إن البراجماتية التي دعا إليها هذا لاتيار ما هي إلا نفي للأخلاق كأساس للعلاقات الدولية .هانز مورجانثو وسائر الكتاب الواقعيين لهم أفكارا زائفة عما ينبغي أخلاقيا أن يطالب به الانسان في مجال العلاقات الدولية .أما على الصعيد العلاقات السياسية فالواقعية تبدو بمثابة التيار النظري الذي قامت عليه السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية .ذلك أن الخطاب الواقعي خطاب أيديولوجي.[11]

[1] ـ جيمس دورتي ـ روبرت بالستغراف ، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية ،ترجمة: وليدعبد الحي ، كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع ، الطبعة الاولى، ديسمبر 1985،ص27ـ 28.

[2]ــ بدر عبد العاطي ، السياسة اليابانية تجاه عملية السلام العربية الاسرائيلية : دراسةفي أثر التحولات العالمية علىالسياسة الخارجية للدول ، مركز الدراسات السياسية والستراتيجية بالاهرام ،القاهرة 2003.

[3]ـ المرجع السابق ، ص 78

[4]ـ سمير محمود ناصر ، الحوار المتمدن ، العدد 1795،14/1/2007:

و أنظرأيضا:www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid85910.

[5] ـ د.فاروق يوسف يوسف أحمد ،القوة السياسية ،مكتبة عين شمس،الطبعة الرابعة ،القاهرة 1991، صـ10.

[6] ـ المرجع السابق،ص12،13.

[7]ــ بدر عبد العاطي ، السياسة اليابانية تجاه عملية السلام العربية الاسرائيلية : دراسةفي أثر التحولات العالمية علىالسياسة الخارجية للدول ، مركز الدراسات السياسية والستراتيجية بالاهرام ،القاهرة 2003.

[8]ـ اسماعيل صبري مقلد ،العلاقات السياسية الدولية :دراسة في الاصول والنظريات ،مرجع سبق ذكره ،ص22.

[9]ـ علاء أبو عامر ، العلاقات الدولية : الظاهرة :والعلم والدبلوماسية والاستراتيجية ، دار الشروق للنشر والتوزيع ،الطبعة الاولى ،2004،ص 129 2004.

[10] - المرجع السابق، صـ 130

[11]- المرجع السابق، صـ 131