الاثنين، 12 أكتوبر 2009

إدارة أوباما والإراتداد على الديمقراطية


جاء الرئيس باراك أوباما إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية محملا ومعه آمال الكثيرين الراغبين في التغيير. وقد جاء أول رئيس أمريكي أسود بعد تحديات اجتازتها الولايات المتحدة أفضت إلى تحولات عميقة في المجتمع الأمريكي، وخاصة بعد أن تنافس على أعلى منصب في العالم إمرأة وشخص أسود من أصول مسلمة. لقد جاءت إدارة أوباما في مرحلة ما بعد 11 سبمتبر لتواجه اصعب التحديات في السياسة الأمريكة وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بالعالم الإسلامي، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد. وخاصة بعد فترة حكم لإدارة جمهورية يمينية خاضت في عهدها الولايات المتحدة حربين كان لهما بالغ الأثر على صورة الولايات المتحدة في أنظار العالم كافة.
إن الرئيس الأمريكي في المقام الأول هو من ينفذ السياسة الأمريكية التي ترسمها المؤسسات المختلفة وفقا لما تقتضيه المصلحة الأمريكية. ومن منطلق المصلحة القومية تأتي أية تحولات في السياسة الأمريكية، فعلى الرغم من حالة التباعد الدبلوماسي أثناء فترة حكم جورج دبليو بوش فقد عادت حالة الدفء للعلاقات حينما بادر أوباما بزيارته التاريخية تحت قبة جامعة القاهرة وتوجيه خطاب تاريخي حمل أهم ملامح التغير في السياسة الأمريكية في المنطقة. إذ جاء الخطاب غالبيته يركز على النهج التصالحي مع العالم الإسلامي بعد اهتزاز الثقة التي خلفها سلفه دبليوبوش، فقد ركز الخطاب على العلاقات والمصالح المتبادلة والمتداخله بين الغرب والعالم والإسلامي، كما ركز بشدة على ضرورة الاستقرار كأحد أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة، كما تطرق الخطاب إلى الحريات والتسامح كقيمة عالمية تشترك فيها كافة المعقتدات.
لقد شهدت السياسة الأمريكية تحولا كيفيا في عهد أوباما، فبدلا من التعامل مع المجتمع المدني كشريك في نشر الديمقراطية والضغط على حكومات المنطقة من أجل تحقيق ذلك، تركز الإدارة الحالية على الاستقرار والأمن في المنطقة. فقد انصبت المحادثات الثنائية بين الرئيسين المصري والأمريكي سواء كان في زيارة أوباما للقاهرة أو زيارة الرئيس المصري لواشنطن على ملفات الأمن في الشرق الأوسط مثل الوضع في فلسطين وإحباط تجربة حماس، وكبح جماح حزب الله وتطويق النفوذ الإيراني وغيرها من القضايا التي تواجه السياسة الأمريكية في المنطقة. وفي هذا تلعب القاهرة تلعب دورا نشطا في هذا الميدان من خلال الوساطة التي تقوم بها بين الجانب الإسرائيلي وحركة حماس التي تسيطر على غزة من أجل الإفراج عن الجندي الأسير لدي الأخيرة منذ 2006، الأمر الذي يترجم في الزيارات المكوكية لبعض قادة حماس للقاهرة وجولة روبرت جيتس وجونز وميتشل المكوكية بين القاهرة وتل ابيب ودمشق وبيروت ايضا قبل سفر مبارك لواشنطن بايام.
إن المتابع للعملية السياسية في المنطقة يمكنه أن يلاحظ بوضوح مدي ديناميتها المبنية على المصالح المتغيرة، وهو ما قد يحمل بين طياته عملية الخداع التاريخية التي تعرض لها دعاه الإصلاح والديمقراطية في المنطقة، حينما توهم الغالبية منهم بأن الرئيس الأمريكي الأسود ذات الأصول الإفريقية المسلمة يمكنه أن يحقق طموحاتهم الراغبة في التغيير. وهي الآمال التي أحبطت مع ظهور الجانب البراجماتي للسياسة الأمريكية وتخلي إدارة بوش عن الشعارات الإنتخابية والتفرد للمصلحة الأمريكية البحته دون غيرها من مالم يتعارض مع منظومة المصلحة الأمريكية. مما مثل حالة من خيبة الأمل لأولئك الداعين إلى الإصلاح والتغيير في المنطقة. فالرئيس الأمريكي الشاب الذي وصل إلى البيت الأبيض على اساس مجموعة من الشعارات الرامية إلى التغيير يتحالف اليوم مع النظم السلطوية مخيبا بذلك آمال مؤيديه في الشرق الأوسط. وبدلا من العمل على الضغط على النظم السلطة من أجل تدعيم المجتمع المدني وتوجيه المخصصات المالية إلى مشروعات التغيير والإصلاح وحقوق الإنسان، نجد التركيز المشروعات التنومية التي لا تعارضها النظم القائمة في المنطقة والتي تنشد الاصلاح والتغيير حتى لا تجد إدارة أوباما نفسها في مواجهة مع النظم القمعية في المنطقة والتي تخدم المصلحة الأمريكية في لحظة تاريخية معينة.
لقد تقدم الرئيس أوباما للكونجرس من أجل إقرار المساعدات الخارجية المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط إلا أنه من الملاحظ على ميزانية هذا العام قد شهدت تحويل بعض الموارد المالية المخصصة للعالم العربي بعيدا عن اقامة شراكات مع منظمات المجتمع المدني، وتفضيل التعامل مع الحكومات نظرا لجدوى ذلك في المعادلة السياسية وفقا لما تقتضيه المصلحة الأمريكية. فقد بلغت إجمالي المساعدات الخارجية للمنطقة 11 مليار دولار بزيادة قدرها 48 في المئة على اجمالي المساعدات السنوية التي طلبها بوش للمنطقة قبل عام. وعلى الرغم من تلك الزيادة الكمية إلا أنه هناك تحولا نوعيا في تلك المساعدات، فالقسم الأعظم من التمويل المخصص للديمقراطية وادارة الحكم في المنطقة يقترن بالجهود العسكرية الاميركية في افغانستان وباكستان والعراق حيث بلغت نسبة الاعتمادات المرصودة لهذه البلدان الثلاثة تشكل 86 في المئة من مجموع 1.54 مليار دولار. إن الزيادة الملحوظة في الاهتمام بالمساعي الأمريكية من الناحية العسكرية في العراق وأفغانستان يأتى إمتدادا لرؤية الإدارة الأمريكية السابقة والتي كان من المأمول لدي الكثيرين أن تتحول إلى التركيز على القوة الناعمة ودعم وتشجيع موسسات المجتمع المدني. إلا أن الملاحظ في التوجهات الأخيرة لإدارة أوباما أنها تشير إلى غير ذلك. فالجانب الأمني والاستقرار تقدمت الأولويات الأمريكية في المنطقة على حساب ما كان مأمولا بشأن المجتمع المدني وذلك على الرغم من الدور المحوري الذي يلعبه المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي، حيث يسهم في كبح السلطة السياسية عن طريق توجيه المشاركة السياسية والامال وتشجيع تطور ثقافة الديموقراطية وحين يشعر الناس ان هناك فرصاً حقيقة امامهم لاحداث تغيير في بلدانهم يصبون جهودهم في هذا الاتجاه ويخف حماسهم للانتقام خارج حدودهم .
لقد قدمت الولايات المتحدة في اعقاب 11 سبتمبر مجموعة من المبادرات الوجيهة لتشجيع الخيار الديموقراطي في الشرق الاوسط . الأمر الذي يفرض عليها دعم مبادراتها بمساع دبلوماسية تظهر للجميع شعوباً وحكومات ان حقوق الانسان والممارسة الديموقراطية في أعلى سلم اولوياتها كما يجب دمج تلك التدابير الدبلوماسية في اطار استراتيجية المساعدات الخارجية الهادفة الى تقوية مواقع القوى المدافعة عن الاصلاح الديموقراطي في المنطقة .
وأخيرا، فإن العالم يعيش في مرحلة ما بعد 11سبتمبر التي أثرت ـ بلا شك ـ على الديمقراطية في المنطقة بأشكال مختلفة، وذلك منذ أن رأت الولايات المتحدة أن علاج الإرهاب يكمن في جوهرة في دمقرطة الشعوب، وهو ما تم تنفيذه بأشكال مختلفة، فما بين إدارة بوش الجمهورية التصادمية، وإدارة أوبما الديمقراطية التصالحية تتأرجح السياسة الأمريكية في المنطقة وبالتبعية تتأرجح عملية الديمقراطية. إلا أنه وبقليل من التمعن، يمكن الاستنتاج أن الأمر برمته لا يعدو كونه إحدى مفردات اللعبة السياسية، ذلك لمن ارتضاها وشارك فيها. والله أعلم