الأحد، 6 ديسمبر 2009

المؤتمر السنوي للحزب الوطني ودبلوماسية الشعارات

مرة أخرى يخرج علينا الحزب الوطني الديمقراطي بشعار جديد تتجلى فيه المهارات الفائقة للحزب في إختيار شعاراته التي يهدف من خلالها إلى إضفاء هالة برّاقة تصرف الأنظار عن خواء آدائه الفعلي وانتهاكاته لأبسط قواعد حقوق الإنسان.

يرجع تاريخ المؤتمرات السنوية للحزب الوطني إلى مؤتمره العام الثامن الذي انعقد في شهر سبتمبر 2002، والذي اعتبره إعدادا للإنطلاقة النوعية في أدائه ليسن سنته الجديدة بأن يجتمع الحزب سنويا وليس كل أربع سنوات فقط. وقد جاء المؤتمر الأول تحت شعار " الفكر الجديد وحقوق المواطن"، من أجلك أنت"، و الثاني "العبور الأول"، والثالث "العبور الثاني"، والرابع "فكر جديد وانطلاقة ثانية نحو المستقبل"، والخامس "مصر بتتقدم بنا". ليرسخ بذلك ريادته في دبلوماسية الشعارات كأداة لتوجيه الجماهير.

و"من أجلك انت" هو اخر تلك الشعارات. فمن أجلك انت جاء المؤتمر، ومن أجلك أنت تضافرت الجهود. إلا أن ما اغفله الحزب هو أن يوضح لنا من هذا الـ "أنت" الذي يخاطبه الشعار. وفي الحقيقة فإن كان المخاطب في ذلك الشعار هو المواطن المصري البسيط، وإقناعه بأن النظام قد التزم في أدائه بالعدالة الإجتماعية فى توزيع عائد التنمية و توفير الخدمات. إن كان الأمر كذلك، فما أوسع الفجوة بين أقوال وممارسات النظام. ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس مبارك زيادة مرتبات العاملين بالدولة بنسبة 30% أثناء الاحتفالات بعيد العمال في شهر أبريل 2008 فإذا بالتضخم العام يصل إلى 21.1% مع زيادة تفوق هذه النسبة في أسعار السلع الغذائية والوقود وهي أقرب ما يتصل بحياة المواطن البسيط. وإذا كان هذا الـ "أنت" هو الفلاح المصري الذي تغني به الحزب الوطني كثيرا ـ حيث يذكر الموقع الرسمي للحزب أن المؤتمر هو بحق "مؤتمر الفلاح" وأن هذا المؤتمر هو الذي أنهي معاناة الفلاحين بصدور توصيات مهمة، وأن الرئيس مبارك اهتم بمشاكل الفلاح وتحسين مستواه" سوف نجد أنه في خلال 72 ساعة من انتهاء المؤتمر صدرقرار رئيس الوزراء بأحقية من استصلح قطعة أرض أقل من 100 فدان أن يتملكها بأسعار عام 2006 على أن يكون السداد نقدا وفورا بمجرد الإخطار بالأسعار، وهو ما يمثل قمة التعسف حيث كانت أسعار ذلك العام أعلى المعدلات في الآونة الأخيرة ـ ولم تحدد بأسعار 2003 مثلا حيث كان سعر الفدان بألف جنيه للزراعة. وبألفي جنية لأصحاب المنتجعات ـ وعلى هذا فقمة المستحيل أن يكون المخاطب بالشعار هو الفلاح المصري.

وربما يكون المخاطب بالشعار هو قوى الإصلاح والمجتمع المدني إذ يقول الرئيس مبارك في كلمته أمام المؤتمر أن مصر كانت ولاتزال أحد أهم منارات الإصلاح والليبرالية على مستوى العالمين العربى والإسلامى، وأنها كانت دائما فى طليعة الدول التى قادت عمليات التطوير الحضارى والانفتاح على الآخر. وأكد سيادته مرارا في الجلسة الخاصة بالمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان على دور المجتمع المدني الأكيد في مراقبة الإنتخابات القادمة والتأكيد على ترسيخ المواطنة وحقوق الإنسان. هذا ما قيل ولكن في الواقع العملي نجد في الوقت ذاته المجتمع المدني يحاصر من الدولة، فضلا عن الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان والتضييق على حرية الرأي والتعبير. كما أشارت العديد من المؤسسات الدولية مثل صحفيين بلا حدود ومنظمة العفو الدولية ناهيك عن الاعتقالات المستمرة للمعارضة السياسية ، وصولا إلى إحتلال مصر المركز الـ115 بين 180 دولة في تقرير الشفافية الدولية. وعلى هذا فلا يعقل بالطبع أن يكون المخاطب بشعار الحزب الوطني قوى الإصلاح

. قد يكون المقصود بالـ "أنت" ـ الواردة في الشعار هو رجال الأعمال من ذوي الحظوة تجاة النظام، أو الإعلاميين من ذي النفوذ لدى النظام الحاكم. أو ربما يكون المقصود هو الحزب الحاكم . الموكد أنه ليس المقصود بأي من الشعارات التي تمطرها سماء الحزب الوطني لا هو المواطن المصري البسيط، ولا الفلاح، ولا حتى قوى الإصلاح والمجتمع المدني.

وأخيرا، فقد هبت علينا رياح ثورة التحديث التي فجرتها أمانة السياسات بالحزب الوطني ودشنها أحمد عز أمين التنظيم في كلمته أمام المؤتمر. إلا أن أبرز سمات تلك الثورة هي السطحية المفرطة في خطابها، والإنحياز الكامل لصالح النخبة المسيطرة، وتجاهل مصلحة المواطن المصري لصالح القلة الحاكمة. إن قليلا من التأمل في تلك الشعارات الستة السابقة يكشف كثيرا من الاستخفاف الذي يتعامل به الحزب الوطني مع قضايا جادة تخص مستقبل الوطن. فكما يتم صرف الأنظار عنها بإلقاء الضوء على مباريات كرة القدم، ثم أيضا تركيز الأضواء على مكافآت اللاعبين وصحتهم ـ ذلك أنهم يحملون بين أقدامهم آمال وأفراح الأمة ـ فإذا بشعارات الحزب تتلألأ لتعمي ببريقها عيون البسطاء وتصرفهم عن المطالبة بأبسط حقوقهم وهي المساهمة في تقرير مصيرهم. بين هذا وذاك قد لا يكون المواطن بعيدا عن مجريات الأمور كما يظن الحزب الوطني. أو ربما أكون مخطئ ، و يصيب الحزب الوطني، وتنتصر دبلوماسية الشعارات ..... والله أعلم

الواقعية في العلاقات الدولية

ماذا تعني نظرية العلاقات الدولية؟

في البداية وقبل الخوض في النظريات التي تسعي إلى تفسير العلاقات الدولية يجب علينا التعرض بشي من الايجاز للإجابة على السؤال المحوري الذي يصتطدم به أي باحث في العلاقات الدولية وهو: ماذا تعني نظرية العلاقات الدولية؟ وما هي الضرورة التي استوجبت التنظير للعلاقات الدولية؟. وللإجابة على تلك التساؤلات يمكننا القول بأن النظرية في أبسط معانيها تشير إلى اختيار مجموعة من الظواهرالمحدد وتفسيرها تفسيرا عاما يرضي أو يقنع أي شخص مطلع ملم بخصائص الظاهرة التي تجري دراستها. وعلى الرغم من أن العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية قد بذلوا العديد من الجهود من أجل صياغة نظريات على غرار نظريات العلوم الطبيعية ، فإن مصطلح النظرية في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم الاجتماعية بشكل عام يحمل معان متعددة . ومع تعدد الرؤى التي يقدمها الباحثون في العلاقات الاجتماعية إلا أن هناك اتفاق على وجود عدد من الصفات العامة التي تشترك فيها النظريات بصفة عامة وبخاصة النظريات المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية ومن تلك الصفات [1]:

1ـ أن تغطي النظرية جميع جوانب العلاقا ت الاجتماعية ـ الشمولية

2ـ أن يعبر عنها بفرضيات عامة تكون واضحة ودقيقة وقليلة قدر الامكان.

3ـ أن يتسق كل جزء من النظرية مع بقية الاجزاء الأخرى.

4ـ أن توضع النظرية في إطار يمكن الاستمرار من خلاله في تطوير النظرية وجعلها ملائمة للعصر.

5ـ أن تعبرالنظرية عن الواقع الدولي ـ في حالة النظريات العلاقات الدولية ـ وليست انعكاسا لوجهات نظر قومية.

6ـ أن تمكننا من التنبؤ على الاقل في بعض الجوانب وتجعلنا قادرين على وضع أحكام قيمية.

وعلى هذا فإن العلاقات الدولية وهي المجال الذي تدور في فلكه نظريات العلاقات الدولية قد شهد اهتماما بالغا، من الجانب التنظيري، وخاصة فيما بعد الحرب العالمية الثانية وعودة الفكر الواقعي إلى ساحة الاحداث متأثرة في ذلك بنتائج الحرب، وخاصة مع سقوط تراجع الفكر المثالي وروادة وسقوط الافكار المثالية التي راجت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، وذلك على خلفية الأطروحات التي قدمها الفلاسفة المثاليون ومن بينهم الفيلسوف إيمانويل كانط، من خلال أطروحته " السلام الدائم" والدعوة إلى الدولة العالمية، إلا أنه بعد أن سقط ذلك التوجه ليحل محله الفكر الواقعي، فقد عاد الواقعيون إلى الساحة، ليكون تفسير الأحداث على الساحة الدولية من خلال القوة كمدخل أساس في تفسير الأحداث على أساس القوة

النظرية الواقعية في العلاقات الدولية:

ترجع النظرية الواقعية في العلاقات الدولية إلى القرن الخامس قبل الميلاد حيث وضع الاسس العامة لها الفيلسوف سوثيديديس ،وذلك على خلفية خبرته لحرب البولينيز . وقد ذهب ثيديديس إلى أن السبب الرئيسي للحروب القائمة آنذاك ، هو قوة أثينا والخوف من اسبرطة.

لقد جاءت فكرة الدولة بداية عند الامبراطورية الرومانية المسيحية حيث وجد نوع من الوحدة المدنية في أوربا فيما بين 1500 و 1800ميلادية . فبعد سوثيديدس جاءت افكار ميكيافيللي التي أكدت على مبادئ ثوسيديدس. وتنطلق تلك الافكار من رؤية ما هو كائن بالفعل وليس ما ينبغي ان يكون. فالحاكم إذا أراد أن يحتفظ بالحكم فعليه أن يعي كيف أن لا يكون متمسك بالفضيلة وأن يستخدم مقدراته وفقا للحاجة. وبالنسبة الدبلوماسية فقد قدمت الواقعية من خلال سياسات الوزير الفرنسي كاردينال دي ريتشيلو الذي قاد فرنسا إلى حروب الثلاثين عاما من أجل عد سيطرة هابسبرج على أوروبا. وقد انتهت تلك الحرب بمعاهدة ويستفاليا 1648 التي تعد أول اتفاقية لتأسيس الدولة الحديثة. ومنذ ذلك الحين ونحن نجد العديد من الكتابات التي تدعم فكرة الواقعية ومن بين تلك الكتابات نجد الفسليوف توماس هوبز والمنظر العسكري كارل فون كلاوزيفيتش.

وقد مثلت الحرب العالمية الأولى تحد أساس للنظرية الواقعية. وخاصة في الولايات المتحدة التي اختلفت خبرتها عن أوروبا. وقد وضع الرئيس الامريكي وودرو ويلسون أربعة عشر مبدأ كأساس للسلام التالي. وقد تضمنت تلك المبادئ حظرالاتفاقيات السرية، حريةالملاحية والتجارة وخفض التسلح وتحديد المصير وإنشاء ماعرف فيما بعد بعصبة الامم .

وبعد الحرب العالمية الثانية أرسي هانز مورجانثو أسس الواقعيةالكلاسيكية في كتابه السياسةبين الامم الذي أصبح الاطارالتنظيري المرشد فيما بعد للكتابات التيتناولت الواقعية .

ومع إخفاق المدرسة المثالية في فرض ونشر قيمها وعدم قدرتها على التحكم في سير الاحداث والتنبؤ بها الامر الذي انتهي بنشوب الحرب العالمية نتيجة إغفال المدرسة المثالية لدور القوة والتعويل عليه في اتفسير الاحداث فقد جاءت المدرسة الواقعية لتحل محل المثالية .وعلى العكس من المدرسةالمثالية ،تذهب الواقعية التي سادت خلال فترة مابعد الحرب العالمية الثالنية،إلى أن سلوك الدولة يجب أن ينطلق من افتراض أن الفوضوية هي السلطةالأساسية للنظام الدولي .وأن سلوك الدولة يمثل نوعا من الاستجابة للفرص والقيود التي يقدمها النظام الدولي الفوضوي . والفوضويه هنا تعني غياب حكومة أو هيئة مركزية عالمية تفرض على الدول ذات السيادة الانصياع للقانون الدولي وتسوية مشكلاتها وفقا لمبادئ وقواعد هذا القانون . ويعني ذلك أن حالة الفوضوية تلك تشجع على التنافس والصراع بين الدول . وتكبح رغباتها في التعاون حتي عندما تكون هناك مصالح مشتركة. وبناء على ذلك ــ ووفقا لخصائص النظام الفوضوي ــ فإن الدول هي المسؤولةعن تحقيق أمنها. وفي بيئة استراتيجية كهذه فإن التهديد يكون أمر معطي خارجي يرتبط بالبيئةالخارجية بالتالي فإن الخطوة الأولى للتعامل مع هذ التهديد هي امتلاك القدرات العسكرية . ولأنه من الصعب التعرف على نوايا الدول الاخري فإن الأيسرهو معرفة قدراتها العسكرية بدلا من التعرف على نواياها . وفي كتابه المهم حول السياسة الدولية يؤكد كينيث والتز أن الأمن هو الهدف الاساسى والنهائي في ظل النظام الفوضوي . وهكذا ووفقا للواقعين فإن الحل الواقعي هو فكرة الردع . كما ترى المدرسةالواقعية أن أن الخطر أو التهديد ينشأ إذا ما استنتجت قوة عدوانية أو دولة تسعي لتغيير الواقع القائم أن القوى المهيمنة في الوضع الراهن إما ضعيفة أو أنها تفتقد إلى القدرة على حسم الصراع . وهذا الاستنتاج قد يدعوا الدولة إلى تحدي الوضع القائم من خلال إثارة إحدى القضايا الثانوية .

الركائز التي قام عليها الفكر الواقعي:

1- أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادئ الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي.

2- أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ.

3- وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ، كما فعل المثاليون، الرهان على أن المعرفة والثقافة، يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام.

4- أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة، فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة تشكل الدولة.

5- تعتبر الدولة الفاعل الوحيد في السياسة الدولية، وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية، أو الشركات متعددة الجنسية) كوحدات أساسية للتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الولي.

6- يقوم تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون طبيعيا موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة، وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.

7- النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.\

8- اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة.

9- اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل، حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.

وتعتبر أالواقعية أكثر النظريات اتصالا بالواقع الدولي وتعبيرا عن أوضاعه ومن دعاتها البارزين هانز مورجانثو" " استاذ لعلاقات الدولية الاشهر .ويقوم فكر مورجانو على فكرتي المصلحة interest والقوة powerوهنا تتحدد المصلحة في إطار القوة التي تتحدد بدورها في ناق ما يسميه مورجانثوبفكرة التأثير أو السيطرة control. وتعني تلك النظرية بالقوة ، السيطرة النسبية التي نمارسها الدول في علاقاتها المتبادلة وهي بذلك لا يمكن أن تتكون مرادفا للعنف بأشكاله المادية والعسكرية وإنما هي أوسع نطاقا من ذلك بكثير ففي النتاج النهائي ــ في لحظة ما ــ لعدد كبيرمن المتغيرات المادية وغير المادية ، ولاتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة ،وبحسب هذا الحجم تتحددد امكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول . ومن هنا تنظر النظرية الواقعية إلى المجمجنمع الدولي والعلات قات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو استراتيجياتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح لادول الاخري .

إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :

يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [2]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع . وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني (*) . وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية.

القوة في المدرسة الواقعية:

مثلت القوة العمود الفقري للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية ذلك أن حجر الزاوية في الفكر الواقعي هو التأثير أو النفوذ، وهو ما لا يتصور أن يكون بمعزل عن استخدام القوة بمختلف جاونبها. تعرف القوة على أنها التقدرة على جعل فاعل آخر أن يقوم بما كان سوف لا يفعله في حالة عدم ممارستها، وليس ماكان سيفعله. وتأسيسا على ذلك فإن أي طرف يعتبر فاعل إلى الحد الذي يؤثرون به في أخرين أكثر مما يؤثر الأخرون فيهم. إلا أن تلك الرؤية بخصوص القوة في الفكر الواقعي تتعامل معها من منظور التأثير. وعلى هذا تتجلى في الأفق إشكالية غاية في الأهمية وهي : ما هو الحال الذي سيكون عليه الفاعل الآخر في حالة غياب قوةالاول فالقوة تفسر التأثير، والتأثير يقيس القوة وهكذا فإنه من الصعب ان تستخدم القوة لتفسير أسباب الأحداث السياسية الدولية . وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام الشائع يتعامل مع مفهوم القوة كشئ آخر غير العملية process. ويعتقد منظرو العلاقات الدولية أن مثل التأثير الذي تنتجه القوة ينبني على سمات محددة أو مقدرات الدول مثل مساحتها ، ومستوى الدخل ، وحجم وقدرات القوات المسلحة فتلك القوة هي القدرة . والقدرة أسهل في قياسها عن التأثير . إن قياس القدرة لتفسير التأير ليس سهلا ومع ذلك فإنه يتطلب مجموعة من أنواع القوى المحتملة . فالدول لديها أعداد هائلة من السكان والأقاليم والقوى العسكرية وغيرها . وقد يكون المؤشر الفردي لقوة الدولة هو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي GDP الذي يتألف من المساحة ومستوى التكنولوجيا والثروة إلا أن الناتج المحلي الإجماليGDP هو أفضل المؤشرات . وبجانب العناصر الملموسة فإن القوة تعتمد على عناصر أخرى غير ملموسة . فالقدرات تعني للدولة تأثير كامن إلى الحد الذي يمكن عنده للقادة السياسين العمل بشكل فعال على إعماله أو تعطيله بشكل استراتيجي ، وهو ما يعتمد على الإرادة الوطنية والمهارات الدبلوماسية والتأييد الشعبي للحكومة (شرعيتها ) . ويؤكد البعض على قوة الفكرة في القدرة على تعظبم تأثير المقدرات من خلال عملية سيكولوجية . وتتضمن تلك العملية تحريك داخلي للمقدرات . ويكون ذلك ـ أحيانا ـ من خلال الدين أو الأيديولوجيا أوالإحساس بالقومية . ويكتسب التأثيرالدولي من خلال صياغة قواعد السلوك على تغيير نظرة الأخرين إلى مصالحهم إذا اصبحت قيم الدولة منتشرة بشكل واسع بين الدول. فعلى سبيل المثال نجد الولايات المتحدة الأمريكية قد أثرت بشدة على العديد من الدول حتي تقبل قيم السوق الحرة وحرية السوق والتجارة ، وهو ما يسمى بالقوة الناعمة . ويمكن للدولة ــ أيضا ــ أن تمتلك القوة بشكل نسبي للآخرين : فالقوة النسبية هى مستوى القوة الذي يمكن أن يجعل دولتين أن يتملاك بعضهم البعض . وهنا نجد أصحاب التفسير الواقعي للعلاقات الدولية ويعترفون بالتفسير المحدود المنبني على القوة . حيث أن القوة في أفصل الأحول توفر فهما تاما لمتوسط الناتج . وفي العلاقات الدولية عناصر للفعل أو الحظ فالفعل الأكثر قوة لا ينتصر دائما ، فالقوة توفر فقط التفسير النسبي[3].

والقوة هي إحدى الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدولة لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها ومصالحها في إطار سياستها الخارجية. فمفهوم القوة مفهوم عام شامل يستند إلى عوامل اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وبشرية، تؤثر في بعضها البعض وتعد عاملاً لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع الدولي.
وهناك جملة من المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية، وأهمها :

- التدخلات المباشرة ( كالحرب العسكرية ) واستخدام القوة العسكرية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر المؤامرات وحرب العصابات.

- التحالفات الجماعية ( تحالفات سياسية عسكرية – كالحلف الأطلسي، وتحالفات سياسية اقتصادية كالاتحاد الأوروبي ).

- التدخلات غير المباشرة ( كالعقوبات الاقتصادية والسياسية ) أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة. ومن أبرز الصفات الأساسية المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام القوة الجماعية أي التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة التي أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية وبخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وإن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهرت المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية المختلفة. إن انتشار التكتلات والتجمعات المختلفة كان هدفه الأساسي تحقيق أكبر قدرة ممكنة من القوة اللازمة لتنفيذ الأهداف والمخططات الموضوعة.

وفي هذا السياق توجد سياسة مركز القوة وتأثيرها في العلاقات الدولية، حيث تعتمد هذه السياسة بالأساس على القوة والقوات المسلحة ويشكل سباق التسلح جزء لا يتجزأ منها فهي ليست في الواقع إلا تعبيراً مباشراً عن مصالح الإحتكارات الكبيرة التي تستفيد من سباق التسلح وهي على استعداد لإستخدام القوة المسلحة في سبيل الإبقاء على سيطرتها. وما التوجه الواقعي للدبلوماسية والقانون الدولي إلا انعكاساً لسياسة مركز القوة، حيث يتلخص مفهوم هذا الخط الواقعي أساساً في أن العلاقات التجارية في علاقات لاقوة وان الأحداث التي تدل عليها هي ظواهر لهذه العلاقات وإن الرغبة في السيطرة هي السمة الأساسية والمميزة للعلاقات الدولية. ومن أشد الداعين إلى هذا المفهوم هو الأمريكي هانز مورجنثوا الذي ينتقد الوسائل القانونية في حل مشكلات السياسة الدولية ويدعو الدبلوماسية إلى التخلي عن القانون الدولي وألا تستهدي في سعيها إلا بعلاقات القوة. وكذلك يمجد لستر بيرسون وزير خارجية كندا السابق مفهوماً مماثلاً في كتابه ( الدبلوماسية في العصر الذري ). وكذلك جورج كينان سفير الولايات المتحدة السابق في الاتحاد السوفيتي والمعروف بدعوته إلى سياسة القوة[4] . وتمثل القوة السياسية مشكلة اجتماعية وعلمية في آن واحد. فالبعض يعتبرها منتهى الشر ويحاول إظهارجوانبها السلبية، بينما آخرون يعتبرونها قمة الخير ويحاولون إظها جوانبها الإيجابية. ويقف وراء عدم الاتفاق هذا خلفيات أيديولوجية محددة .فأنصار الفكر الماركسي يحاولون الربط بين القوى السياسية والاستغلال والتسلط الطبقي. ويرون أن التطور الاجتماعي سوف يؤدي إلى شكل معين من التنظيم الاجتماعي في المستقبل أي في ظل المجتمع الشيوعي.وعلى العكس من ذلك نجد الفكر الغربي بصفة عامة يؤكد على الجوانب الايجابية لعملية ممارسة القوة في تحقيق الأهداف والتكامل الاجتماعي والاستقرار السياسي وتحقيق الامن والامان للمواطنين .وفي الحقيقة فإن لاقوة في حد ذاتها سواء كانت في شكل سلطة أو نفوذ ليست شرا ولا خيرا وأن ذلك يعتمد على طريقة استخامها .فقد تكون عامل قهر استبدادكما قد تمون عامل استقرار وتكامل وأمن وأمان .صـ9.ومن ناحية أخرى يصر البعض على أن القوة السياسية هي هدف في حد ذاتها أي أنها مرغوب فيها لذاتها .بينما يرى أخرون أنها مجرد وسيلة لتحقيق الاهداف والحصول على القيم .ويقف وراء هذا الانقسام أيضا انقسام أيديولوجي .فالفكرالشيوعي الماركسي يرى أن القوة السياسية وسيلة لتحقيق أهداف الطبقة المستغلى المسيطرة أقتصاديا .بينما الفكر الغربي يميل إلى اعتبارها قيمة من القيم التي يعمل الافراد للحصول عليها لذاتها وليس لمجرد تحقيق أهداف أخرى .وفي الحقيقة فإن القوى السياسية قد تكون هدف بالنسبة للبعض ،كما قد تكون وسيلة بالنسبة للبعض الاخر وأن الامر يتوقف على الشخص أو الجماعة التي ترغب في الحصول على القوة كما يتوقف أيضا على الموقف[5] .ويرتبط بذلك أمر هاما أخر بطبيعة القوة وهو الحاص بحدودها .فيرى البعض أن القوة لا حدود لها .فكلما حصل الفرد أو الجماعة على قدر منها تطلع إل المزيد سواء كان ذلك لحبه لها أو لإستخدامها في تحقيق الأهداف الأخرى .وقد عبر عن ذلك توماس هوبزفي قوله ان البشر عموما يميلون إلى رغبة دائمة غير مستقرة في الحصول على مزيد من القوت لا يتوقف إلا بالموت .ولو أننا نرى أن الانسان الطبيعي عندما يحس بأن قوته مدعمة بدرجة كبية وليس هناك ما يهددها قد يتجه إلى تحقيق غيات أخرى ،فهي كأي شئ في الحياة تخضع لقانون تناقص المنفعة .وهنا يظهر تساؤل :هل القوة ذات طبيعة تراكمية وتحويلية .أي هل يؤدي امتلاك جزءمن القوة إلى امتلاك مقدارآخر.وكذلك هل يمكن تحويل القوة أو استبدالها بقيمة أخرى .وفي الحقيقة فإن امتلاك امتلاك القوة يساعد على امتلاك ركائز أخرى للقوة ،كما أنه يساعد على تحويلها من شكل إلى أخر واستبدالها بقيم أخرى في الحياة .ومن ناحية رابعة يصر البعض على على أن القوة السياسية تمارس من جانب واحد أي أن طرف واحد فقط يمارس القوة على الطرف الاخر الذي تمارس عليه القوة .بينما يسوق أخرون الحجج على أنها يمكن أن تمارس من كلا الطرفين في آن أي أن كلا الطرفين يمكن أن يمارس القوة على الطرف الاخر في نفس الوقت .وهنا فإن الامر يعتمد على طبيعة العلاقة بين الطرفين .وهنا قد يكون من الطبيعي التمييز بين ثلاث مواقف مختلفة هي[6]:

- أنه في أغلب الاحيان يزهر تفاوت واضح في مصادر القوة لدى أعضاء الجماعة أو بين الجماعات وبعضها البعض، وبالتالي يكون هناك شخص أو جماعة متميزة تمترس القوة على الاخرين .

- قد يكون أطراف العلاقة على قدر متساو من القوة ،ولكن كل شخص أو جماعة قادرة على التأثير في الاخرين في بعض الجوانب على الاقل في الوقت الذي يتأثر فيه بقوة الاخرين في جوانب أخرى ، أي أن هناك علاقة تأثير متبادل. وهنا يمكن القول بوجود ممارسة للقوة في هذا الوقت على الرغم من أنها قوة متبادلة من الجانبين .

- إذا كانت ممارسة طرف لمصادر قوته تقابل بمقاومة قوية من الطرف الاخر تفقدها فاعليتها تماما فإنه لايمكن بوجود القوة حيث أن اصطلاح القوة يتضمن التغلب على ما يعترض ممارستها من مقاومة .ومن هنا يظهر لنا أن القوة ذات علاقة نسبية .فالفرد وحده لا يمكنه أن يوصف بأنه قوي أو ضعيف ،ولكن يمكن أن يوصف بأ،ه قوي بالمقارنة بغيره من الناس وبالنسبة لموقف معين ،وأن يوصف بأنه ضعيف بالمقارنة بآخرين وبالنسبة لموقف آخر . ومن هنا يجب أن نلاحظ أ، القوة لا يمكن قياسها أو معرفة مقدارها إلا بعد وقوعها .فنحن لا نعرف أن (أ) له قوة على (ب) إلا بعد أن يتغلب على مقاومته . كما يمكن النظر إلى القوة السياسية بأنها سبب النشاطات الاجتماعية المنظمة كما يمكن أن أن ننظر إليها على أنها أيضا نتيجة لتلك النشاطات .أي أن القوة هي بالاساس سبب ونتيجة في آن واحد لقيام التنظيم الاجتماعي . فالتنظيم الاجتماعي هو عملية تحويل النشاط الفردي المنفصل إلى نشاط جماعي .متحد بما يساعد على تحقيق الاهداف ،أي أنه من أجل خلق القوة الازمة لتحقيق الاهداف مثل مثل الوصول إلى الحكم أو معارضة من هم في الحكم لابد من التنظيم .كما تسهم القوة في أداء الافراد لأدوارهم طبقا لما هو مقرر نظاميا وبالتالي في تحقيق الافراد والجماعات لأهدافهم المشتركة . ومن ناحية ثانية فإن القوة كظاهرة أو كعملية لا يمكن أن تظهر الا اذا بدأ الافراد في الدخول في تفاعلات مع بعضهم البعض في أي شكل من الاشكال .وبالتالي فهي تظهر خلال التفاعل والعلاقات الاجتماعية كمحصلة للتنظيم .فالتفاعل المنظم لا يمكن أن يتتحقق كنتيجة مباشرة لقيام بناء محدد للقيوة وانقسام الناس إلى عدة أدوار ومراكز اجتماعية متدرجة تمارس بعضها نماذج معينة من القوة على الاخرين .

وهكذا فإن القوة مثل الطاقة لا يمكن قياسها أو ملا حظتها بإسلوب مباشر .فوجود القوة وشدتها أمر لا يمكن ادراكه أو معرفته الا من خلال اساليب غير مباشرة أو عن طرق آثارها علىالواقع الاجتماعي .فالقوة كالكهرباء لا يمكن ملاحظتها الا عند استتخدامها ،وندرك تأثيرها ونشاهد مظاهرها زلكننا لا نرىالظاهرة نفسها .وهو ما يجعل الامرمن الصعوبة بمكان قياسها ويجعل هناك تعدد وعدم اتفاق بخصو.اهص

إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :

يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [7]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع .وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني. وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية .

النقد الموجه لواقعية هانز مورجانثو:

لقد تعرضت نظرية مورجانثوا لعدد من الإنتقادات التي يمكن إيجازها على النحو التالي :

أولا : أخفقت النظرية في تحديد المفاهيم المختلفة للقوة والتي من بينها القوة التي تأتي كنتاج سياسي political outcome و كلتالتي تكون مجرد أداة Instrumentality والقوة التي تؤثر كدافع محرك . Motivation. فالقوة من حيث الناتج السياسي ترتبط بمقدرة الدولة على إحداث تغييرات في سلوك الآخرين بالشكل الذي يتلائم مع مصالحها. والخلاصة أن تحليل القوة بالمفهوم الضيق لها كدافع فقط انما يضع قيودا وتحفظات لا يستهان بها على النظرية الواقعية وعلى قدرتها في التحليل وذلك على النحو الذي تحاول أن تنسبه إلى نفسها .

ثانيا : لم تقم نظرية مورجانثو بالتحلل المتعمق حيث عالج مورجانثوا المصلحة القومية كهدف سهل التحديد (مادامت المصلحة القومية تتحدد دائما وأبدا في إطار القمة ولا شيئ غيرها ) وقد يتناسب ذلك مع ظروف القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر ،إلا أنه لا يصلح ــ بالتأكيد ــ مع ظروف العلاقات الدولية في القرن العشرين ،أو كما قال سناتل هوفمان فان مورجانثوا قد أخذ هذه الف ةرت ــلاقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ،واعتبرها القاعدة التي بنى عليها تحليله الواقعي للقوة .ومن هنا فإن مورجانثوا يخلط بين مفاهيمه وتحيزاته وتصوراته كمراقب للعلاقات الدولية ،وبين الظواهرالدولية التي تحدث فعلا ،وهو يحاول أن يجعل هذه الظواهر أكثر التقاءا مع تحيزاته ومفاهيمه وبالعكس ،أو بعبارة أخرى فهو يحاول أن يصور الأمر كما لو كان هو والعالم يريا هذه المصلحة القومية من خلال منظار واحد هو منظار القوة . ويرى ناقدوا مورجانثوا أن المصلحة القومية تختلف في تحديدها بحسب المقاييس المستخدمة في التحليل ، فمن ذلك مثلا (أ)أن المصلحة القومية قد تتحدد في إطارالاهداف التي هي موضع اتفاق واسع داخل النظام القائم في الدولة وهنا يكون للمصلحة القومية مضمون معين ،(ب)ان المصلحة القومية قد تتحدد في إطار بعض التفضيلات التي تبديها بعض قطاعات الرأي داخل الدولة كجماعات المصالح أو الناخبين وهنا يكون لها مضمون آخر يختلف عن المضمون السابق.(ج) وأخيرا، فإن المصلحة القومية قد تتحدد في اطارالقراراتالتي تتخذها الاجهزة الرسمية المسؤولة عن تحديد قيم معينة تلزم المجتمع ككل . ثالثا:ان المآخذ الاخرى التي تؤخذ على النظرية الواقعية في رأي بعض ناقديها ، الصيغة الاستاتيكية العامة التي تطبع هذه النظرية ، فالنظام السياسي الدولي ــ في تحليلات مورجانثوا ــ هو نظام غير معتغير ، مادام أن مصالح الأطراف تتحدد دائما بدافع القوة تحت أي ظرف وأيا كانت طبيعة هذه لاطراف ،أي أن ها النظام سيظل محكوما ابدا وبالضرورة بصراعات القوى .وهذه الطبيعة الاستاتيكية كما يقولون ،تختلط بنوع من الفوضي بين ظاهرة صراعات القوى في الساسية الدولية ،وبين الاشكال الاسياسية لهذه الصراعات والمؤسسات التي تولدت في نطاقها في القرون الالخيرة أي أن صراعات القوى شئ والروف الدولية التي تحركها والمؤثراتالتي تختلقها ودوافع الاطراف التي تشارك فيها شئ آخر. رابعا : ان منهاج التحليل الذي يتبعه مورجانثو ينظر إلى عملية ينع السياسة الخارجية على أنها عملية ترشيديدة بإستمرار .بمعني أنها لا تخرج عن كونها عملية توفيق بسيطة بين الوسائل المتاحة وبين الاطراف التي هي ثابتة وموضع اعتراف عام في نفس الوقت .ولكن التحليل المتعمق لعملية صنع السياسة الخارجية وبخاصة المعاصرة منها يكشف عن الصراع المستمر والحاد في الدوافع المختلفة التي تحرك واضعي هذه السياسات وصولا إلى الاهداف التي يحددونها لدولهم ،وما دامت االهداف تختلف فإن الوسائل لابد وأن تختلف بالضرورة كذلك .

خامسا : ان القوة لا تستطيع أن تخدم وجدها كأداة لتحليل كافة الظواهر المعقدة في السياسة الدولية ،فإلى جانب القوة توجد قيم وعوالم أخرى تؤثر فيالسلوك السياسي الخارجي للدول مثل الرغبة في التعاون الدوولي كما هو حادث في كثير من التنظيمات الدولية مثلما هو الحال في غرب أوربا ،وهذه التجمعات التنظيمات تبني على أفكار وقيم أبعد ما تكون عن نظرية سياساتالقوى المذكورة [8].

ثالثا: تعميمات المدرسة الواقعية ليست دائما صحيحة عبر لزما ولا المكان فنتقاء الاحداث بشكل تعسفي أدى إلى تحليل جزءي ببل وانحيازي .فتارسخ أوروبا هو المرجع الرئيسي للتحليل الواقعي الذي ظل أسيرا لتاريخ أوربا في القرن التاسع عشر .والتصور الواقعي تصور جامدا وساكن (استاتيكي)لأنه عجز عن الماضي . ومن ثم الاهتمام بظوراهر جديدة في العلاقات الدولية مثل ظواهر الاندماج والعوامل الايديولوجية. [9]

رابعا: تتلخص العلاقات لدولية عند المدرسة الواقعية بين الدول .فالدبلوماسي والجندي هما اللذان يصنعنان العلاقات لادولية وقد نالت السياسة الخارجيةالنصيب الأكبر من أعمال الكتاب الواقعيين فقد أصبح نموزج الدولة الاوروبي رمزا ومرجا لكل دولة .ويقول الواقعيون بضرورةالفصل بين السياسة الخارجية والداخلية ،لأن الاولىتتخذ المصلحة أساسا لها ولا تراعى المعطيات الداخلية التي تدو نتيجة لذلك ثانوية .[10]

خامسا: إن البراجماتية التي دعا إليها هذا لاتيار ما هي إلا نفي للأخلاق كأساس للعلاقات الدولية .هانز مورجانثو وسائر الكتاب الواقعيين لهم أفكارا زائفة عما ينبغي أخلاقيا أن يطالب به الانسان في مجال العلاقات الدولية .أما على الصعيد العلاقات السياسية فالواقعية تبدو بمثابة التيار النظري الذي قامت عليه السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية .ذلك أن الخطاب الواقعي خطاب أيديولوجي.[11]

[1] ـ جيمس دورتي ـ روبرت بالستغراف ، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية ،ترجمة: وليدعبد الحي ، كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع ، الطبعة الاولى، ديسمبر 1985،ص27ـ 28.

[2]ــ بدر عبد العاطي ، السياسة اليابانية تجاه عملية السلام العربية الاسرائيلية : دراسةفي أثر التحولات العالمية علىالسياسة الخارجية للدول ، مركز الدراسات السياسية والستراتيجية بالاهرام ،القاهرة 2003.

[3]ـ المرجع السابق ، ص 78

[4]ـ سمير محمود ناصر ، الحوار المتمدن ، العدد 1795،14/1/2007:

و أنظرأيضا:www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid85910.

[5] ـ د.فاروق يوسف يوسف أحمد ،القوة السياسية ،مكتبة عين شمس،الطبعة الرابعة ،القاهرة 1991، صـ10.

[6] ـ المرجع السابق،ص12،13.

[7]ــ بدر عبد العاطي ، السياسة اليابانية تجاه عملية السلام العربية الاسرائيلية : دراسةفي أثر التحولات العالمية علىالسياسة الخارجية للدول ، مركز الدراسات السياسية والستراتيجية بالاهرام ،القاهرة 2003.

[8]ـ اسماعيل صبري مقلد ،العلاقات السياسية الدولية :دراسة في الاصول والنظريات ،مرجع سبق ذكره ،ص22.

[9]ـ علاء أبو عامر ، العلاقات الدولية : الظاهرة :والعلم والدبلوماسية والاستراتيجية ، دار الشروق للنشر والتوزيع ،الطبعة الاولى ،2004،ص 129 2004.

[10] - المرجع السابق، صـ 130

[11]- المرجع السابق، صـ 131

خطاب أوباما بين شكوك الواقعيين وآهات الحالمين

"إنني ممتن لكم لحسن ضيافتكم ولحفاوة شعب مصر، كما أنني فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأميركي لكم مقرونة بتحية السلام من المجتمعات المحلية المسلمة في بلدي: السلام عليكم. بهذا العبارات بدأ الرئيس باراك أوباما خطابه إلى العالم الاسلامي من تحت قبة جامعة القاهرة.

لقد انتظر العالم الاسلامي كله ذلك الخطاب الذي ظنه الكثير بمثابة نقطة جديدة على طريق التعامل مع العالم الاسلامي. وبعد انتظار جاء خطاب تحت تغطية إعلامية عربية وعالمية مكثفة. وفي زيارته المليئة بالإشارات التي أراد من خلالها القائمون عليها إبهار العالم الاسلامي بالرئيس الجديد. فأظهر الرئيس أوبا درجة عالية من الوعي بتاريخ المنطقة وحضارتها، وهو ما يظهر إلى أن الرجل يمتلك عدة مفاتيح للتقارب وأدوات الحوار المناسبة، وقد سهلت عليه هذه المفاتيح مهمة كسب ود العالم الإسلامي.

لقد زار أوباما من ضمن ما زار مدرسة السلطان حسن، ومنطقة الأهرامات، الأمر الذي لم يكن من باب الترفيه والتنزه، فقد جائت كل خطوة محسوبة وذات هدف ومغزى، فقد أراد الرجل أن يرى العالم العربي والإسلامي مدى انبهاره بحضارتهم عمليًّا، ولم يمر الأمر هباءا حيث استخدم بعض اللفتات البسيطة التي تترك أثرًا طيبًا في النفوس، مثل حرصه على خلع نعليه عند الدخول، ورفضه أن يلبس خفًّا مخصصًا للوفود السياحية، إلى ان جاء خطابه معززا بالاستشهاد بآيات القرءان الكريم.

وبعد طول انتظار جاء الخطاب ليعلم الجميع أن باراك حسين أوباما درس جيدا أصول وقواعد الخطابة، وهو ما يجعله مؤثرا فى الرأى العام ومستمعيه القريبين فى الأساس، فقد بدأ خطابه بعبارة «السلام عليكم»، وهذه العبارة جعلته يمس مشاعر المصريين الذين يستخدمون هذه العبارة عشرات المرات فى يومهم، وبالتالى وجدوا أن أوباما قريب منهم، فهو يستخدم نفس عبارتهم اليومية، كما أن هذه العبارة تحية الإسلام، وهو ما يعنى أنه يؤكد الرسالة التى يود أن تصل إلى كل مسلم وهى أنه جاء يحمل معه رسالة تصالح بين المسلمين والولايات المتحدة الأمريكية. وحينما انتقل أوباما إلى صلب الموضوع، طبق شروط العرض وهى التماسك والتلاحم بحيث لا تضعف خطبته بسبب التفكك أو تخلخل الفكرة، فجاء كلامه مرتبا غير مهوش ولا مضطرب. واستشهد أوباما في خطابة كثيرا بآيات القرءان الكريم، ليضرب على الوتر الحساس ويهز مشاعر المسلمين والأمر نسه حدث عندما استشهد بآيات من الإنجيل فأثّر بذلك على المسيحيين الموجودين، وعرج على تاريخ الأزهر وجامعة القاهرة ليشير إلى أثر الإسلام على الحضارة الأنسانية.

ولم يحمل الخطاب بصمات أوباما الشخصية فقط، وإنما هو نتاج النظام المؤسسى الأمريكى كله بحلته الديمقراطية الجديدة، وهو ما يتجلى فيه البصمة الديمقراطية، التي تتجلى على النمط الأمريكي. إلا أننا في تعاطينا مع الخطاب لم نركز إلا على الجانب الدعائي له، فقد أعجب الناس فى مصر بأوباما، الخطيب المفوه الذى لم يضطرب ولم يتلعثم، والذى ركز أهداف خطبته فى عبارات مصاغة بدقة ومحددة بما لا يُحدث أى التباس بشأنها، وكذلك بأدائه فى الإلقاء وحركات جسده المؤدية والمساعدة لعوامل التأثير، فهو، من حيث الهيئة، يتمتع بمواصفات الخطيب المثالية، فقامته طويلة، رشيق، صوته جهورى، وقور، نظراته خاطفة، مسيطر على أعصابه، رابط الجأش، ثابت النفس.

لقد بدأ الرئيس الأمريكي عهده بسياسة تميل إلى التصالح مع العالم الاسلامي، فقد سبق خطاب جامعة القاهرة مجموعو من الاشارات التي تؤكد على ذلك، فمن خطابه إلى البرلمات التركي، إلى رسالة التهنئة التى وجهها إلى الشعب الإيرانى، بمناسبة عيد النيروز، وإعلانه عن سياسته فى الخروج من العراق، وصولا إلى الوقوف تحت قبه جامعة القاهرة، وبين هذا وذاك تقبل السياسية الخارجية الأمريكي على مرحلة كبيرة تنذر في ظاهرها بالتفاءل، ولكن في حقيقة الأمر ، فإن العلاقات الدولية لا تعرف المشاعر ولا الأحاسيس الإنسانية، فما عهدنا يوما ما سياسة خارجية لبلد ما تجاه الأخرى ، فما علمنا أيضا سوى المصلحة القومية محركا لموقف بلد ما تجاه العالم الخارجي ، الأمر الذي بفرض نوعا من الحذر الطبيعي تجاه أي وافد جديد ولكن بشرط تقديم النوايا الحسنة على النوايا السيئة حتى تسير من جيد إلى الأفضل ، بدلا من سيرها الذي عاهدناه في الماضي القريب أي عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، حبنما سارت الأمور من السيء إلى الأسوأ.

وفي الحقيقة أن الغالبية العظمة من سكان المنطقة المثقلة بالمتاعب والأزمات قد تشوقوا كثيرا إلى الخطاب الذي ظنو أنه سوف يحل الكثير من المشكلات التي يعانون منها، ابتداءا من المشكلات اليومية التي يعاني منها المواطن في حياته اليومية، مرورا بمشكلات الفساد الحكومي وسيطرة الحزب الحاكم، وصولا إلى مشكلة الصراع العربي الاسرائيلي. وهو ما يشير إلى بساطة في التفكير يعاني منها الكثير من الحالمين بالمخلص الآتي من بلاد العم سام، بمتطي جواده لكي ينقذ المنطقة من مشكلاتها. وهو ما ينفيه الرجل في خطابه، من قبل وصوله إلى القاهرة، فقد صرح أوباما قبل مجيئة للقاهرة بأن لك الخطاب سوف يكون رسالة تفاهم مع العالم الإسلامي‏،‏ ويستهدف تحسين صورة بلاده لدي المسلمين‏.‏ وسيناقش الحاجة الكبيرة إلي تحقيق السلام في الشرق الأوسط‏. كما أنه قد خفض من سقف التوقعات المرجوة من وراء خطابه، قائلا في مقابلة مع قناة تلفزيونية فرنسية إن الهدف من خطابه محاولة خلق حوار أفضل مع المسلمين, ودعا إلى عدم التعويل كثيرا على خطاب واحد لتسوية مشاكل منطقة الشرق الأوسط.

وبالنظر العام إلى الخطاب فقد أورد أهم معالم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى هذه المرحلة، ألا و هو تفضيلها للعمل الدبلوماسى، مع التأكيد فى الوقت نفسه على أن هذا الموقف ليس نابعا من إحساس بالضعف، وإنما عن رغبة فى إعادة ترتيب جديد للأوراق والأدوار على نحو يساعد على مد الولايات المتحدة بمصادر قوة جديدة، مع التأكيد فى الوقت نفسه على عدم استبعاد الخيارات العسكرية كملاذ أخير، وهو ما يوجب الترحيب والتعامل معه على أنه إحدى الفرص التي تنهال على العرب يوميا، على الرغم أن التاريخ يثبت يوما بعد الأخر أن سكان العالم العربي الميمون قد أحترفو ضياع الفرص....... والله أعلم

ثورة يوليو في ميزان التاريخ

تمر على الشعب المصري الذكرى السادسة والخمسون على ثورة يوليو التي تحولت فيها مصر ـ لأول مرة على مر تاريخها إلى دولة تحكم على يد أبناءها. وعلى الرغم من الجدل المتواصل حول تلك الحركة التي بدأت بإنقلاب مسلح نفذه مجموعة من ضباط الجيش المصري، إلا أن الحقيقة سوف تظل باقية على مر التاريخ وهي أن من قام بأحداث تلك الليلة مجموعة من المصريين الذين يعتبر التشكيك في مصريتهم وولائهم لهذا البلد بعدا عن الموضوعية ومجانبة للصواب. وعلى الرغم من مرور اكثر من نصف قرن من الزمان على ذلك المنعطف التاريخي في حياة مصر المحروسة إلا أن الحالة العامة لها قد تحركت كثيرا عكس عقاب الساعة وارتدت مخالفة لحركة تطورالتاريخ، فما أبعدنا اليوم عن حالة الليبرالية السياسية والاقتصادية التي عاشتها مصر قبيل ثورة يوليو، وما أبعدنا اليوم عن الديمقراطية التي بدأ التوجه نحوها بعد سنوات قليلة من سقوط نظام يوليو وتولي السادات الحكم عقب رحيل الرئيس جمال عبد الناصر. الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول علاقة تلك الثورة بالحالة المتردية التي نعيشها اليوم، وما إذا كانت ثورة يوليو قد بدأت النواة الأولى للتراجع الذي آلت إليه الأوضاع اليوم، أم أن الثورة وكما يقول أنصارها قد حملت مشروعا أسفر ابتعادنا عنه عن ما وصلنه إليه. ثم يصبح التاريخ وحده هو الميزان الذي تقدر فيه قيمة ما تمخضت عنه تلك الليلة موعودة. فلما كانت تبعات تلك الثورة لا تقل أهمية عن تلك التطورات التي شهدتها أوروبا عقب الثورة الفرنسية، ذلك أن الثورة المصرية لعبت البادرة الأولى لعديد من حركات التحرر في العالم العربي فضلا عن القارة الإفريقية، فإنه من الواجب علينا التعرض إلى تاريخ الثورة بما ترتب عليها من تداعيات على الأصعدة المختلفة.

بداية الأحداث:

لا تقتصر أحداث ثورة يوليو على ما حدث في ليلة الثالث والعشرين من شهر يوليو 1952، بقدر ما يجب النظر إلى ذلك الحدث في ضوء التاريخ المصري والحالة التي وصل إليها المجتع بعد تراكمات امتدت لسنوات طويلة ذاق فيها الشعب المصري كافة أشكال الهوان والظلم والإستبداد سواء من قبل الغزاة الخارجيين، أو من حكامه بالداخل والذين كانت تمتد جذورهم بالأساس ـ دائما وحتى ليلة 23يوليوـ إلى الخارج على مختلف انتماءاتهم ومقاصدهم. وفي الواقع، فإن أحد أهم الأحداث التي كانت لها بالغ الأثر اندلاع شرارة الثورة، هو حرب حرب 1948 وضياع فلسطين التي ظهر بعدها تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري بزعامة جمال عبد الناصر ليقود التنظيم في إنقلاب مسلح نجح في السيطرة على الأمور في البلاد والسيطرة على المرافق الحيوية في البلاد وأذيع بيانه الأول بصوت أنور السادات وفرض الجيش على الملك التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952.وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش إلا أن إدارة الأمور كانت في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابط برئاسة محمد نجيب كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار ثم الغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 1953. وقد قامت الثورة على مبادئ ستة كانت هي عماد سياستها فيما بعد وهي: 1ـ القضاء على الاقطاع. 2- القضاء على الاستعمار. 3- القضاء على سيطرة رأس المال. 4- إقامة حياة ديمقراطية سليمة. 5- إقامة جيش وطني قوي. 6- إقامة عدالة إجتماعية. وفي الظاهركان قائد الحركة التي سميت فيما بعد بالثورة هو اللواء محمد نجيب و لكن تطورات الأحداث أظهرت صراعا على السلطة نشأ بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر، استطاع جمال أن يحسمة إلى صفه في النهاية و حدد إقامة محمد نجيب في منزله لفترة من الوقت. تولى جمال عبد الناصر بعد ذلك حكم مصر من 1954 حتى وفاته عام 1970 واستمد شرعية حكمه من ثورة يوليو.

لقد جاءت الثورة في فترة عرف فيها النظام العالم ثنائية الأقطاب. مما دفع مجموعة العسكر إلى الإستفادة من المناورة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وعلى الرغم مما عرف عن توتر العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة إلا أن الوثائق تشير إلى أن ثورة يوليو كان لها بالغ الأثر على منحنى العلاقات بين الطرفين ففي البداية كانت العلاقة ذات حساسية خاصة، وتحديدا في الفترة منذ قيام الثورة حتى عام 1958، وذلك على الرغم من الإعتقاد الذي ساد بأن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة قد شابها نوع من التوتر والفتور منذ بداية الثورة حتى نهاية حكم عبد الناصر. فقد شهدت تلك العلاقات في البداية تقاربا بين النظامين في كلا البلدين. ففي البداية عضدت أمريكا جماعة الضباط الأحرار وحالت دون تدخل بريطانيا لإعادة الملك فاروق للحكم، وكانت عاملا أساسيا في مساعدتها في السيطرة على زمام السلطة بشتى الوسائل الممكنة، سواء بصورة علنية أو سرية، بالقلم أو البندقية، وقد أيدتها في خطوة إلغاء دستور 1923 كما أنها باركت إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 23 يونيو 1953، وقد كان الدافع منوراء تلك المساندة الأمريكية للضباط الأحرار هو الأمل في أن تجد منها صدرا مرحبا بمشاريع الدفاع الغربية التي كانت جل آمال الولايات المتحدة آنذاك، من أجل إحتواء الخطر السوفيتي، لكن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن، حيث كاتن هناك العديد من العوامل التي دفعت بالقوى الإقليمية إلى أن تتباعد حفاظا على مكانتها وموضعها. لقد كانت القوى الجديدة الحاكمة في مصر أسيرة ميراث طويل في دور مصر القيادي الرافض للارتباط بالغرب، مما دفع بالقوى العالمية ممثلة في الولايات المتحدة بالسعي إلي شكل جديد لاحتواء الموقف، وكانت مشاريع السلام بين مصر وإسرائيل هي الحل بالنسبة لصانع السياسة الأمريكية، الذي رأى فيها حلا نموذجيا قد يدفع بالقوى الإقليمية لإيقاف الإقتراب من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وأن صفقة السلاح التي مكنت الإتحاد السوفيتي من القفز فوق أسوار الأحلاف الغربية سوف تكون أول وآخر صفقة. حيث استفادت الثورة كثيرا في مرحلة التباعد مع الولايات المتحدة من علاقاتها بالاتحاد السوفيتي.

ولم تشهد تلك المرحلة من تاريخ مصر ما عرفته فيما بعد من مظاهر الفتنة الطائفية. فعلى الرغم من أن حركة الضبات الأحرار قد قامت على تنظيم سري ولم يكن ضمن هذا التنظيم أي قبطي ينتمي إلى الصف الأول إلا أن الأقباط لقد رحبوا شأنهم شأن بقية أبناء الشعب بقيام الثورة. وتمر الأيام تلو الأيام ويغلب على الأقباط التوجس خاصة حول مشاركة الأقباط في حركة الجيش وتحول التوجس إلى قلق وبشكل خاص بعد أن استبعدت الثورة قادة الرأي من الصفوة القبطية سواء بفعل قانون الإصلاح الزراعي أو بالتأميمات. كما أن تغلغل الإخوان المسلمين وازدياد نفوذهم على رجال الثورة أثار شكوك ومخاوف الأقباط ولاسيما أن غالبية الضباط الأحرار كانوا من الإخوان المسلمين. فكان جمال عبد الناصر يقوم بتدريب التنظيم السري العسكري للإخوان المسلمين وإمداده بالسلاح مع أنور السادات بل إن عبد الناصر نفسه كان عضوا في جماعة الإخوان تحت اسم حركي هو عبد القادر زغلول وذلك وفقا لرواية حسن العشماوي المحامي أحد قيادات الإخوان المسلمين آنذاك.

لقد تبنت الثورة فكرة القومية العربية ، وسعت إلى مساندة الشعوب العربية المحتلة للتخلص من الاستعمار ، فجاءت الوحدة مع سوريا واليمن ، كما سعت إلى محاربة الإستعمار بكافة صوره وأشكاله في أفريقيا ، فتزعمت مصر الناصرية عملية تأسيس دول عدم الانحياز.

ولم يستمر النهج الثوري الذي رسمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فعقب رحيله تولى السادات الحكم لتتحول فلسفة الحكم إلى النهج الليبرالي المنفتح على المجتمع الغربي آملا في إزالة آثار العدوان الذي حل على الأمة العربية في الخامس من حزيران 1967. وهنا تتحول القبلة إلى واشنطن بدلا من موسكو التى اعتمد عليها عبد الناصر كثيرا، وعقب حرب اكتوبر 1973 التي حقق فيها الجيش المصري مكاسبا جيدة بدأت عملية التنمية التي اعلن عنها السادات مستندا فيها على الإستقرار السياسي الذي اتكأ على حالة السلام مع اسرائيل، متجاهلا الاعتراضات وموجات النقد التي وجهها إليه الكثير من العرب وصولا إلى حالة المقاطعة لباقي سنوات حكمه والتي انتهت نتيجة الجهود التي قام بها خلفه الرئيس مبارك مما أعاد مصر إلى الطوق العربي. ومن هنا بدأت عجلة التنمية تدور تأسيسا على عملية الإنفتاح الإقتصادي والسياسي التي بادر بها السادات في منتصف السبعينات. إلا أنه ومع تغير طبيعة المرحلة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم وبداية القرن الحالي، حيث كانت الديمقراطية الإصلاح السياسي هماأهم متطلبات المرحلة الجديدة، تواكبا مع الموجة العولمية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقمة هرم النظام العالمي الجديد.

لقد شهد النصف قرن المنصرم جدلا عريضا حول طبيعة ما حدث في ليلة 23يوليو وما إذا كان ذلك يعتبر ثورة أم مجرد انقلاب عسكري قام به مجموعة من المغامرين العسكريين. ووفقا لما يرى علماء الاجتماع بشأن الثورة فإنها تحول جذري ينال كافة أرجاء المجتمع. فعلى الرغم من أن ما قام به مجموعة المغامرين في تلك الليلة مجرد حركة عسكرية، إلا أن ما حدث بعد ذلك الحدث جعلت منه واحدا من أهم ثورات المنطقة بالنظر إلى تبعاتها على المستوى السياسي والإجتماعي. لقد سقط نظام يوليو سياسيا بعد ثمانية عشرا عاما ليحل محله منطق مختلف بادر به الرئيس الراحل أنور السادات الذي لم يتواني عن بث الوعود المتتالية بالجنة الموعودة من فيض التنمية المأمولة وصولا إلى خيبة الأمل التي نرزح في طياتها، الأمر الذي يطرح علينا التساؤلات مرارا وتكرارا: هل حملت ثورة يوليو بذور التدهور الذي نعيشه اليوم؟ أم أنها قد حملت مشروعا أسفر مجانبتنا له عن نفس النتائج؟ أم فشلت المرحلة التالية على ثورة يوليو على مدار حوالي أربعين عام في إصلاح ما أفسدته الحقبة الناصريه على مدار ثمانية عشر عاما فقط؟ وغيرها من التساؤلات التي أعمتنا ذاتيتنا المفرطة عن الإجابة لنترك المهمة للتاريخ والأجيال القادمة لتحكم عليها بينما نكتفي نحن بالإجابة المعهودة " الله أعلم" ..... والله أعلم.

ذكرى أكتوبر بين الآمال وآلام

ستة وثلاثون عاما مرت على حرب أكتوبر ولا يزال المواطن المصري يحلم بالرخاء كما وعدته القيادة السياسية، ولازالت تتوعده حتى يومنا هذا. واليوم وبعد مرور ستة وثلاثين عاما على الحرب لا يزال المواطن المصري يفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، فما بين نظام حاكم يعيث في الأرض الفساد، ويرسخ لقيم التمييز والعنصرية ضد الفقراء لصالح القلة الحاكمة من جهة، ومعارضة تنعم بالضعف وتتلذذ به وتسعد بالسوس الذي ينخر في عظامها من جهة أخرى، يعاني المواطن المصري من ويلات الحرمان وتضيع أبسط آماله في العيش حياة كريمة. وهو ما صحيفة "الجارديان" البريطانية لوصف العلاقة بين الطرفين ـ النظام الحاكم والمعارضة ـ قائلة: النظام المصري هو النظام الوحيد في العالم الذي يختار المعارضة الملائمة له؛ فالأحزاب الحالية كارتونية مجمدة يحتفظ بها النظام ويخرجها وقت الحاجة إليها، وهناك أحزاب حقيقة موجودة في الشارع ولكنها غير مرخصة. وعلى الرغم من مرور السنوات وراء بعضها البعض، تتلاشى آمال المصريين في حياة ديمقراطية وعدت ـ ولازالت توعد بها ـ بها القيادة السياسية.

واليوم تعود علينا ذكرى جديدة لحرب أكتوبر المجيدة لتحمل معها الذكريات التي تبعث الأمل في نفوس المصريين، كما تفسح المجال للمزيد من التمعن والاستفادة من دروس الماضي القريب. لقد تلقي العالم العربي ضربة قاسمة في الخامس من يونيو 1967، ولم تكن تلك هي نهاية الصراع العربي الإسرائيلي. ففي التاسع والعشرين من أغسطن1967 اجتمع قادة دول الجامعة العربية في مؤتمر الخرطوم بالعاصمة السودانية ونشروا بياناً تضمن ما يسمى بـ"اللاءات الثلاثة": عدم الاعتراف بإسرائيل، عدم التفاوض معها، ورفض العلاقات السلمية معها. وفي سبتمبر 1968 تجدد القتال بشكل محدود على خطوط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا بما يسمى حرب الاستنزاف، مما دفع الولايات المتحدة أحدى القوتين العظميين إلى اقتراح خطط لتسوية سلمية في الشرق الأوسط، وكان وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز قد إقترح ثلاث خطط على كلا الجانبين: الخطة الأولى كانت في 9 ديسمبر 1969، ثم يونيو 1970 ، ثم 4 أكتوبر 1971. وقد رفضت المبادرة الأولى من جميع الجوانب ، و أعلنت مصر عن موافقتها لخطة روجرز الثانية حتى تعطي نفسها وقتاً أكثر لتجهيز الجيش و تكملة حائط الصواريخ للمعركة المنتظرة، أدت هذه الموافقة إلى وقف القتال في منطقة قناة السويس، و إن لم تصل حكومة إسرائيل إلى قرار واضح بشأن هذه الخطة. وفي 28 سبتمبر 1970 توفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، وتم تعيين أنور السادات رئيساً للجمهورية. في فبراير 1971 قدم أنور السادات لمبعوث الأمم المتحدة غونار يارينغ، الذي أدار المفاوضات بين مصر وإسرائيل حسب خطة روجرز الثانية، شروطه للوصول إلى تسوية سلمية بين مصر وإسرائيل وأهمها انسحاب إسرائيلي إلى حدود 4 يونيو 1967. إلا أن الجانب الإسرائيلي قد رفض هذه الشروط مما أدى إلى تجمد المفاوضات. وفي 1973 قرر الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد اللجوء إلى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرها العرب في حرب 1967. وقد كانت الخطة ترمي الاعتماد على المخابرات العامة المصرية والمخابرات السورية في التخطيط للحرب وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية و مفاجأة إسرائيل بهجوم غير متوقع من كلا الجبهتين المصرية والسورية، و هذا ما حدث، حيث كانت المفاجأة صاعقة للإسرائليين.

وفي الأحداث قام الجانب المصري بحشد نحو مليون عسكري وصلت ذروة القتال عندما قذفت مصر اسرائيل بـ 185 قذيفة مدفعية في الثانية من فوهات 11000 مدفع، وعلى الجانب السوري تم حشد أربعمائة ألف عسكري وألف خمسمائة دبابة في جبهة عرضها سبعين كيلومتراً، وقامت الدولتان ببناء حائط صواريخ دفاع جوي اعتبر الأكثر تطوراً وكثافة في وقتها. وقد تمكن الجيش المصري في يوم السادس من أكتوبر عام 1973 من عبور قناة السويس و اختراق الساتر الترابي في 81 مكان مختلف وإزالة 3 ملايين متر مكعب من التراب عن طريق استخدام مضخات مياة ذات ضغط عال ، قامت بشرائها وزارة الزراعة للتمويه السياسي ومن ثم تم الاستيلاء على أغلب نقاطه الحصينة بخسائر محدودة ومن ال 441 عسكري إسرائيلي قتل 126 و أسر 161 و لم تصمد إلا نقطة واحدة هي نقطة بودابست في أقصي الشمال في مواجهة بورسعيد وقد اعترض أرئيل شارون الذي كان قائد الجبهة الجنوبية علي فكرة الخط الثابت واقترح تحصينات متحركة وأكثر قتالية ولكنة زاد من تحصيناته أثناء حرب الاستنزاف. وأخيرا، وبلغت تكاليف خط بارليف 500 مليون دولار في ذلك الوقت .

وبعد مرور السنوات المتتالية يمكن إعادة النظر إلى ما جرى في ليلتي الخامس من يونيه 1967، والثالث من أكتوبر 1973حتى يمكننا الانطلاق منها نحو فهم أعمق للحاضر. وذلك من خلال الإشارة إلى عدة ملاحظات عابرة حول ما تضمنه مفردات النصر والهزيمة. أما بالنسبة للنصر فإنه يشير في أبسط دلائله إلى محصلة مجمعة من المكاسب الجزئية أو نتيجة إجمالية لمجموعة من الجولات. الفوز في جولة واحدة يعد مكسبا ، وبالتالي فإن النصر هو محصلة لمجموعة من المكاسب. وعلى الجانب الآخر نجد مفهوم الهزيمة التي تشير إلى أنها محصلة مجموعة من الخسائر في عدة جولات من الصراع الواحد. والهزيمة في هذا الإطار يصاحبها نوع من كسر الإرادة التي ربما تكون سببا في إنهاء الصراع. وعليه فإن نتائج الحرب العالمية الأولى الدامية بالنسبة لفرنسا واحتلال الألمان لها لم يصاحبه كسر إرادة الفرنسيين، ذلك أنهم دأبوا على المقاومة الداخلية والخارجية التي قادها الجنرال شارل ديجول مستفيدا من ظروف العلاقات الدولية وقتئذ، إلى أن وصل مع زملائه إلى تحرير بلاده. هكذا لم تنكسر إرادة الشعب الجزائري مثله في ذلك مثل غيره من الشعوب،أمام عجلات الإستعمار التي عانت منها سنوات طويله. وتأسيسا على هذا فلم تحقق ألمانيا النازية الانتصار حينما تفوقت في معارك الحرب العالمية في مطلع القرن الماضي، إذ أن الصراع قد انتهي بشكل عام إلى تفوق الحلفاء وانتصارهم وخروج ألمانيا منكسرة الإرادة واستسلامها في حالة "هزيمة".

والمتأمل في هاتين المتناقضتين (النصر والهزيمة) يجد أن ما حدث في ليلة الخامس من يونيو 1967 لا يمكن إدراجه تحت مسمى الهزيمة، حيث لم تكسر إرادة الشعب المصري، فربما كانت انطلاقة جديدة للصراع العربي الإسرائيلي مع بدايات حرب الاستنزاف وصولا إلى السادس من إكتوبر 1973. وبالمثل فإن ما حدث في السادس من أكتوبر لا يمكن إدراجه تحت مسمى النصرـ وفقا للإشارات السابقةـ فماكانت حرب اكتوبر سوى جولة أخرى من جولات الصراع العربي الاسرائيلي التي بدأت مع حرب فلسطين عام 1948 و لازالت حتى يومنا هذا وإن اختلف شكل الصراع بحسب المراحل التاريخية والمكانية لكافة أشكال الصراع العربي الاسرائيلي. حيث حقق الجانب المصري مكسبا عسكريا لا يمكن تجاهله على الرغم من خيبة الأمل السياسية التي تبعته، نتيحة لعدم التوظيف السياسي الجيد من قبل المفاوض المصري الذي أعمته نشوة المكاسب العسكرية عن التأني في التفاوض وفقا لمعطيات ما بعد السادس من أكتوبر.

لقد كانت أحد أهم أهداف القرار الذي اتخذه بشجاعة الرئيس المصري السابق أنور السادات وكان من بين منفذيه الرئيس المصري الحالي محمد حسنى مبارك، هو العبور بمصر إلى محطة متقدمة في التنمية. وقد كانت الديمقراطية هي أحد الركائز التي ارتكز عليها الرئيس السادات من أجل ذلك. إلا أننا اليوم وبعد ثلاثة عقود لا يزال المجتمع المصري يقف على شواطئ الديمقراطية حالما متأملا مصدقا للوعد التي تصدرها القيادات السياسية الحكيمة يوما بعد يوم. وبالفعل فإنه بفضل الجهود الحكيمة للقيادات السياسية المتتابعة على الشعب المصري وصلنا اليوم إلى أحد أشكال الديمقراطية، ولكن لسوء حظ المواطن المصري فإنها ديمقراطية مريضة، متعددة الأحزاب، تجرى في ظلها الانتخابات، وتبلغ مؤسسات المجتمع المدني في ظلها ما يربو على 21 ألف جمعية أهليه. وعلى الرغم من كل تلك الديكورات الديمقراطية إلا أنها بالفعل ديمقراطية مريضة، تزوّر فيها الانتخابات، وتلعب فيها الأحزاب أدوارا كرتونية بهلوانية، و يعاني فيها المجتمع المدني من القيود العديدة التي قد تشل حركته أحيانا، والانتهاكات اليومية للحريات الأساسية التي يحتاجها المواطن فضلا عن تسيد السلطة التنفيذية على غيرها من السلطات، وبين هذا وذلك تتبخر أحلام التنمية. إلى أن يقف المواطن على ضفاف الديمقراطية ليقلم اظافرة بأسنانة وفي جوفه حسرة على ما كان كان يحلم به.

وأخيرا، فلم تعد ذكرى إكتوبر سوى لحظات يحتفل فيها المواطن المصري مع وسائل الإعلام الرسمي بعدد من الأفلام السينمائية التي لا ترقى إلى مستوى الحدث ولا إلى الدروس التي يجب الإستفادة منها، فضلا عن مجموعة من البرامج الحوارية التي تتناول الحدث بشيئ من السطحية. لتمر الذكرى مرور الكرام. وعلى هذا فلا تعدوا ذكرى أكتوبر سوى الفخر بمآثر الأجداد وعظمة أمجاد الماضي القريب ... والله أعلم