الاثنين، 14 يونيو 2010

صباح : قصة فتاة لم تخشى عناكب الظلام

بقلم : طه على أحمد

استيقظت صباح كعادتها باكرا ، في نشاط لم تعهده عليها الأسرة . راحت تجهز حقيبتها استعدادا ليوم دراسي حافل بالكثير من العناء الذي يختلط فيه العناء الجسدي بالذهني . نعم ذلك العناء الجسدي الذي يتكبده آلاف الأولاد والبنات أثناء خروجهم إلى مدارسهم ، بين أكمنة القهر التي تزرعها القوات المحتلة لأرضها ليل نهار. وكذلك العناء الذهني الذي تعانية صباح مع زميلاتها من أجل تحصيل علوم طالما تمنتها ونهلت منها على أمل أن تبلغ بها أمانيها ، وأن تسهم في تحريروطنها.
راحت صباح تتحرك كثيرا ، فحقيبتها قد تم إعدادها منذ المساء قبل أن تنام بعد سهرة حافلة باستذكار الدروس ، شأنها في ذلك شأن كل متفوق طموح . ولكن ماذا ياترى وراء كل ذلك النشاط فوق العادة ؟! إنها بالفعل هكذا ، ولكنها الليلة يبدوا عليها شيئ ما ، هكذا كان تفكير أمها وكذلك تخيلن أخواتها الثلاث اللواتي يصغرنها سنا. وراحت أختها الصغيرة تسألها ماذا بك يا صباح، إننا لم نعهدك هكذا؟ ولكنها ترد في حماس، وعلى وجنتيها رياض من زهور تتفتح ، وفي عينيها بريق غد يلوح بالافق. وردت على صغيرتها قائلة: هل تعلمين يارحمة ماذا تعني السعادة؟ ماذا يعني الأمل؟ ماذا تفيد الحياة؟ ما هو دورنا في تلك الحياة ؟ وردت عليها أختها بإستغراب محدقة عينيها بشيء من الإمعان في تأملات كبيرتها ماذا يا أختي ؟! فترد صباح قائلة : معني الحياة ... هي أن يكون لوجودك سبب . أن تكونين امتداد لمن قبلك وبذور لمن يأتي من بعدك. بالأمس ونحن نرمي عسكر الإحتلال بالحجارة تسائلت، لماذا نحن الذين نحييا في هذا العناء وفي تلك المشقة اليومية حتى نصل إلى مدرستنا ؟ لماذا نخرج في جماعة إلى المدرسة لكننا نعود ناقصين بينما يضاف إلى عدد شهدائنا المزيد؟! لماذا ينعم بالحياة أطفال العالم بينما نحن يا أختي هكذا ؟! هل تعرفين يا أختي ما أريد من تلك الحيا ة؟ فترد عليها أختها متسائلة، ماذا يا كبيرتي ؟ فتجاوبها صباح، أريد أن أكمل تعليمي وأدرس الطب حتي أداوي جرحانا كما أني أريد أن يكون لي دورا في تحرير بلادي حتي ولو كان ذلك بدمي .
وهنا تدخل الأم لتذكر إبنتيها بموعد طابور الصباح، يابنات هيا اسرعن فما الطريق للمدرسة بالقريب ولا باليسير وهنا تنهض الفتيات الثلاث متجهات إلى المدرسة في تحد لكل ما هو آت . وبعد رحلة من المشقة والعناء ينجح الزهور في الوصول إلى المدرسة. وبالفعل ينتهي اليوم الدراسي على خير. وصبا ح رائدة الفصل كما أنها الطالبة التي حصلت على المركز الاول على المستوى إدارة "خان يونس" التعليمية في الصف الثاني الثانوي وها هي شهور قليلة وتتهيأ الفتاة للحاق بدراسة الطب، في أمل لتحقيق حلم العمر بالنسبة لها. وتشهد مدرسة خان يونس الثانوية بنات حفل لتكريم للمتفوقين، وتنال صباح قلادة التكريم وتشجيع وإعجاب الجميع .
ولما لم يكن كل ما يتمناه المرء يدركه ، فصباح الأكثر علما بين تلاميذ المدرسة وهي أيضا الأكثر جرأة وشجاعة بين بنات جيلها ، فها هي تخترق الحواجز لتواصل سيرها فإذا برصاص الغدر ينطلق مطاردا إياها ، ولكن الفتاة رائدة الفصل بالفعل يجب أن تضرب المثل لباقي زميلاتها ، وما بيدها سوى رمي الحجارة على كلاب الأذقة، فصباح لا تخشى نباح الكلاب، ولكنها في تلك المرة لم تنجح في تحقيق ما اعتادت عليه يوميا ، ولم تستطيع الهرب وإذا بأعين الجبن ترصدها وتنال خالب الطغاة من جسدها النحيل فيسقط أرضا وتسيل الدماء على الإسفلت لتغسل به عار الاخرين . واليوم تتحقق نبوئتها فتهدي صباح بجسدها الطاهر إلى بلادها، و ما من أمل اليوم أن تعود إلى الحياة تلك العذراء ، لتذهب ضحية إنسان لا يملك أعطي وأسرف في في عطاءه لمن لا يستحق . وتجري أنهار الدموع لتسبح فيها أمواج الغدر. فتحفر في قلوب بنات أرض الزيتون نقوشا من الآلام يصعب إزالتها مع الايام .
ويصل الجثمان الطاهر إلى أسرته بعد أن نالته عناكب الظلام بعد أن فشلت في حمل الفتاة على الإستسلام. ويقع الخبر على مسامع وأعين الأهل كالصاعقة ولكن الأم التي ربت الشهداء لا ينهار الجبل بداخلها ، فكما قدمت أم صباح من قبل إبنيها البكريين شهداء يوما ما ، لقادرة على تحمل تلك الفاجعة بصلابة يندر وجود مثيل لها لتعلم أمهات الأرض درسا يصعب نسيانه . وكذلك الأب الذي يصلي على الجثمان صلاة لا ركوع لها ولا سجود . ثم يتوجه إلى الجميع معلنا إصراره على إنجاب المزيد من الأبناء والبنات . فما معني الحياة إن لم يكون المرء امتداد لمن سبق وبذرة لمن هو آت ، نعم أليس هذا ما ودعتنا به صباح؟!

الصيام في الثقافة الإنسانية

بقلم: طه على أحمد
باحث في العلوم السياسية

تحل علينا بعد ايام مناسبة تتكرر كل عام دون أن تنال منا ما تستحق من التأمل، وهي شهر رمضان الذي اختصه الدين الإسلامي بالصوم، ومن هنا يفتح الباب على مصراعيه بخصوص الصوم ومناقبه في التراث الإنساني ذلك أن الصوم لم يكن حكرا على الدين الإسلامي، فمنذ بدء الخليقة والصوم واحدا من ابرز المظاهر التي عرفها البشر على مر التاريخ لأغراض وبأشكال مختلفة. لقد عرف الصوم من قبل كافة المعتقدات السابقة على الديانات السماوية وما تلاها، فقد اعتبرت ممارسة الصوم وسيلة لإعداد الأفراد خاصة (الكهان والكاهنات للتقرب من الآلهة . ففي الديانات الهيلينية كان عبدة اكليبوس إله الطب في الميثولوجيا اليونانية، يعتقدون بأن الإلهة يلهم النبؤات الشافية في الرؤى والأحلام لمن صام بإخلاص شديد من كهنته . كما شاع بين الكولومبيين الأوائل ـ سكان بيروـ اعتبار الصوم كفارة أو عقاب عن الذنوب والخطايا بعد اعتراف الفرد بها أمام الكاهن . وفي العديد من الحضارات القديمة كان الصوم يعتبر وسيلة لرفع غضب الآلهة أو لإعادة بعث إلهة بعد موته، كما هو الحال علي سبيل المثال بالنسبة لرب النبات.
وفي الديانات التقليدية قبل معرفة البشرية للتدوين مورس الصوم غالبا قبل وأثناء طلب الرؤية وقد كان ذلك لدى هنود شمال أمريكا سكان السهول الكبرى وشمال غرب الباسفيك.وقد عرف الصوم عند الهنود الحمر سكان جنوب غرب أمريكا كمظاهر مصاحبة للاحتفالات عند تغيير الفصول الموسمية . وفي جميع الديانات العالمية الرئيسية يعد الصوم لأغراض خاصة أو في أوقات لها قداسة خاصة خاصية مشتركة بينها . وفي اليانية علي سبيل المثال يعد الصوم وفقا لقواعد خاصة وممارسة أنواع معينة من التأمل طريقة أكيدة يصل ممارسها لحالة السمو والارتقاء . وفي الصين حتى عام 1949م كان مألوفا ملاحظة فترة محددة للصوم والانقطاع قبل التضحية في ليلة الانقلاب الشتوي قبل أن يبدأ الإلهة يانج (القوة الموجبة) دورة جديدة. وقد عرفت البوذية الصيام أيضا في أوقات محددة وفق النظام القمري ، ويعتبر اكتمال القمر اي تحوله إلى بدر مبدأ ومنتهى للصيام وفريضة الصيام عند البوذيين تعني الامتناع عن الطعام خاصة المطبوخ منه مع السماح ببعض المشروبات ويمارس البوذيون الصيام كوسيلة من وسائل تطهير الذات الإنسانية وأداة ناجحة لتحرير العقل الإنساني من الأوهام والأساطير وتقوم بعض الفرق البوذية التي تقطن في منطقة التبت بالصوم في سياق التمارين الروحية الخاصة برياضة اليوغا، فالصوم عندهم يولد الطاقة الداخلية التي تساعد النفس على كبح شهواتها واطماعها وتحقيق السكينة والصفاء الذهني.‏ أما الهندوس في الهند فيصومون في الأيام الأولى من الأشهر القمرية ، فضلاً عن الصوم في مناسبات وأعياد خاصة بهم ، مثل أعياد "ساراسواتي بوجا" والصوم عند الهندوس يعتمد على قدرات الفرد ، وقد يمتد ليوم كامل بأكمله ، حيث يمتنع الهندوسيون الأكل والشراب والأطعمة ، وأحياناً يخففون من وطأة الصوم بشرب الماء أو قدر من الحليب . ومن بين المعتقدات جميعها انفردت الزارادشتية بتحريم الصوم لاعتقادها أن هذا النوع من الزهد لا يساعد علي تقوية المؤمن في جهاده ضد الشيطان . أما المصريون القدماء فقد عرفوا الصيام كفريضة دينية يتقربون بها من أرواح الأموات ، ويعتقدون أن صيام الأحياء يرضي الموتى لحرمانهم من طعام الدنيا، وفي الوقت نفسه تضامنا معهم. وفي البهائية يحتفل البهائيون في الثاني من مارس كل عام بالصيام البهائي ، فيقوم الكتاب المقدس لدي البهائيين "الأقدس" : "سبحان الّذي نَزَّلَ الحُكْمَ كيف شآء انّه لهو الحاكم على ما أراد. يا أحبّائي ان اعملوا بما أُمرتم به في الكتاب، قد كُتِبَ لكم الصّيام في شهر العلاء صوموا لوجه ربّكم العزيز المتعال، كفّوا أنفسكم من الطّلوع إلى الغروب…" كما يقول أيضا "يا قلم الأعلى قُل: يا مَلأ الإنشاء قد كُتبَ عليكم الصيام أيام معدودات وجعلنا النيروز عيداً لكم بعد إكمالها. كذلك أضاءت شمس البيان مِن أفق الكتاب مِن لدن مَالك المبدأ والمآب".
وقد جاءت الديانات السماوية (اليهودية – المسيحية- الإسلام) لتؤكد علي حتمية الصيام خلال فترات معينة من العام وإن اختلف مفهوم الصوم ودلالته في كل ديانة . ففي اليهودية يتسع الصوم إتساعاً مطاطياً ، ويتفرع بتفرع اجتهادات أحبار اليهود حول الفرائض والعبادات الواجبة . وقد كانت تلك الاجتهادات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها اليود على مر التاريخ، وبشكل عام ينقسم الصوم عند اليهود إلى فردي (شخصي) يسمى صوم الأسر يمارسه اليهودي عند نزوله به مصيبة أو حزن أو اقترافه لخطيئة أو جريمة والنوع الآخر صوم جماعي، ويكون في حالات الكرب والحزن والقلق الجماعي من كارثة ما، كأن يصومون في حالة جني محصول سيئ، وفي حالة هجوم أسراب شرسة من الجراد، وتفرض الشريعة اليهودية على أبنائها صيام يوم واحد في السنة ويسمى هذا اليوم "يوم عاشوراء اليهود" ولا يزال حتى يومنا هذا. وبالنسبة للمسيحية فالصوم هو الإمساك عن الطعام لهدفين الأول: من أجل الآخر (الإنسان) والخليقة.والثاني: العلاقة مع الله، فالصوم ليس موضوع طعام وشراب وإنما هو مدرسة تربوية لتهذيب الإنسان روحيا وجسديا فهو يطوع جسده له كي يمتطيه وليس العكس وروحيا كي يتحكم بأهوائه وغرائزه ليبني علاقة قائمة على الإرادة الإلهية أي ما يريده الله منا نحن كبشر، ومن ناحية أخرى هناك ناحية الخليقة فالامتناع عن بعض المأكولات كاللحوم والحليب ومشتقاته هي كي يعيش الإنسان بسلام مع الطبيعة. وترى المسيحية أن الغاية من الصوم ليس الأكل والشرب لأنه ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان وإنما ما يخرج منه ومن ثم فالصوم هو تدريب، يدرب الإنسان ذاته على التحكم بذاته والسيطرة عليها، فيسيطر على غضبه وأهوائه. أما الدين الإسلامي فقد وضع الصوم كأحد أركانه التي لا يقوم إلا بها، فيقول القرءان الكريم "يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". كما اعتبرته السنة النبوية مكفرا عن الذنوب فقد ثبت في الحديث النبوي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ". وفي الواقع فإن الصيام في الإسلام كباقي الأديان السماوية ليس المقصود به الإمساك عن الطعام أو الشراب أو بعض الأمور الأخرى، بل كان من بين العديد من الأهداف التي شرع الصيام من أجلها دور اجتماعي ذات اثر بالغ على الوجود البشري فالصوم وبحسب الطبيعة فيه انكسار وخضوع وذلة أمام الخالق، فتنعكس تلك الحالة شكل تلقائي في النفس وان لم تكن بنفس المستوى تجاه الآخرين، وهذا له آثاره على مستوى القبول بالآخر والتقارب منه والعيش معه والالتفات له والاستماع اليه والعمل الى جانبه ومشاركته في الحياة، وهذا ما يخلق حالة من التضامن الاجتماعي، فالفقير يشعر بالعزة والمساواة مع الغني والعزيز بما يرفع من شأنه بعض الشيء وتصبح هناك إمكانية لكي يعيش الجميع على مقربة من بعض ويتفاهمون في سبيل بناء حياتهم ومجتمعاتهم. وفي صيام رمضان دعوة الى التكافل الاجتماعي من جهة للميسورين تجاه المعدمين بعد التحسس والشعور بعذاباتهم وآلامهم مع اجواء الانكسار وحسن الخلق التي يفرضها الصيام، وهو من جهة ثانية دعوة للتضامن الاجتماعي بين الناس. وفضلا عن التكافل الاجتماعي الذي ينطوي عليه الصيام فإنه ومن بين ما يحث عليه التقرب إلى الخالق من خلال العمل والتفاني من أجل الإنجاز والإضافة التي من شأنها الإعمار على وجه الارض والإضافة إلى الرصيد الحضاري، والتفاعل مع الحضارات الأخرى وصولا إلى الحضارة الإنسانية.
لقد اسرفنا في التفاعل مع شهر رمضان باعتباره مظهر ديني لا يخرج عن كونه عدة ايام يمتنع فيها الناس عن الطعام والشراب لفترات محددة ، ومصحوبة ببعض المظاهر التي اصبحت عئبا على كافة مناحي الحياة فيكفى ان نرف كم ما نستورده من ترفيهيات من حلوى وياميش رمضان حتى يتبين لنا ما يمثله شهر رمضان من عبء على ميزانيتنا القومية، بدلا من أن نجعل منه حافز ودافع للعمل من خلال ما يحمله الصيام من حكمة فيما يتعلق بقيمة العمل والانجاز. والله أعلم

العدالة الاجتماعية في الفكر الإنساني

بقلم: طه على أحمد
باحث في العلوم السياسية

لا تزال فكرة العدالة واحدة من أهم الأفكار الأساسية التي تسيطر على تفكير المنشغلين بالفكر السياسي. وتمثل العدالة نوعا خاص من الحكم الأخلاقي إذ تتعلق بالثواب والعقاب؛ فالعدالة في أبسط صورها هي إعطاء كل فرد ما يستحقه. ومن بين ما تعنيه العدالة ـ أيضا ـ توزيع المنافع المادية في المجتمع مثل الأجور والأرباح، وتوفير متساوٍ للاحتياجات الأساسية من إسكان ورعاية طبية... إلخ. كما تعني العدالة المساواة في الفرص بالمجتمع الذي يحيا فيه الإنسان؛ أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي وتحسين وضعه بجهده ودأبه. إلا أن ذلك لا يعني أن تكون المساواة مطلقة بتدخل من الدولة كما في الاشتراكية؛ لأن الناس لم يولدوا متساوين، بل تختلف مهاراتهم ومواهبهم وبعضهم أكثر استعدادا لبعض الأعمال من غيرهم، ولكن يجب أن تكون أوضاع المعيشة والظروف الاجتماعية الأساسية الدنيا واحدة للجميع. فمن الضروري مكافأة من يستحق ويجتهد، فالحوافز تساعد الأفراد على العطاء وتحقيق الذات وتنمية المواهب؛ لذلك فالمساواة من المنظور الليبرالي هي أن يكون لدى كل الأفراد فرصة متساوية لتنمية قدراتهم ومهاراتهم غير المتكافئة.
ولما كانت العدالة تحتل تلك المكانة المتميزة في الفكر الإنساني.. فقد آثرنا أن يكون التركيز في تلك المقالة على نظرية "العدالة الاجتماعية" عند الفيلسوف السياسي "جون رولز" (1921-2002) الذي تعامل مع العدالة كفكرة فلسفية لا كفكرة سياسية.
في البداية تجدر الإشارة إلى أن الفيلسوف الأمريكي جون راولز 1921 – 2001 من أهم المنظرين للعدالة كنظرية ومفهوم، ذلك انه عندما ترجم مؤلفه لأول مرة أحدث ذلك نقاشا محتدما في العالم القاري، ونفس الشيء حصل في العالم الانجلوسكسوني، بحيث أثارت "نظرية العدالة" نقاشات كبيرة يصعب الإحاطة بها، إذ أنه في الولايات المتحدة الأمريكية كانت الفلسفة الأكثر شيوعا و رواجا. بالإضافة إلى هذا لا يمكن إحصاء الكتب والمقالات التي كتبت عن هذه النظر.
بادئ ذي بدءن ينصب اهتمام رولز فيما يتعلق بالعدالة على المجتمع، وخاصة المؤسسات التي يتشكل منها المجتمع. حيث يرى رولز أن المجتمع يتكون من مجموعة من المؤسسات التي تعد بمثابة البنية الاساسية له. وفي مقدمة تلك المؤسسات يأتي الدستور الذي ينظم القواعد والأسس المسيرة لشؤون الحياة بالمجتمع.
ويبدأ رولز بتعريفه لأبسط الوجدات المشكلة للمجتمع وهي "المؤسسة". فالمؤسسة هي نظام عام من القواعد التي تحدد كافة الحقوق والواجبات والسلطات المتعلقة بتسيير العلاقات بعضهم البعض وكذلك علاقاتهم بالمجتمع ككل. وتوجد تلك المؤسسات حيثما يتواجد الأفراد في مجموعات تربطهم تلك القواعد والنظم.
ويميز رولز بين مؤسسة وأخرى بناء على عاملين إثنين:
الأول: هو أنها تلعب دورا في توزيع كل من الحقوق والواجبات والمنافع وأسس التعاون الإجتماعي. وبعمنى أدق فإنها تكون مؤسسة إجتماعية توضع في الاعتبار إذا كانت تؤثر في حياة الناس.
الثاني: إذا كان تأثيرها على حياة الناس يتوزع على الناس بالتساوي، وبين الجميع. حيث لا يتوزع على فئة دون غيرها. ومثال على ذلك، أنه لو كانت هناك شركة ضخمة في رأس مالها. وتوثر على السياسة الداخلية لدولة ما بشكل ضخم. فإن تلك المؤسسة تمثل جزءا أساس من المجتمع. حيث أنها من خلال تأثيرها على الشؤون السياسية تكون بذلك قد أثرت على المجتمع كله.
وبالنسبة لتك المؤسسات التي يعنيها رولز هنا، فإن مبادئ العدالة الاجتماعية لا تنطبق على كافة المؤسسات حيث أنها ـ أي المبادئ ـ تنطبق فقط على الهيكل الأساسي للمجتمع. الأنشطة الفردية أو الفئوية لا تمثل مؤسسة اجتماعية وبالتالي فإنها لا تقع في نطاق المؤسسة الاجتماعية. وهنا فإن مبادئ العدالة الاجتماعية تنطبق على الهيكل العام للمجتمع والذي يحتوي على المؤسسات ولكنها لا تنطبق مباشرة على المنظمات الداخلية للمؤسسات العديدة والمؤسسات التي تشكل الهيكل العام للمجتمع. ولا تنطبق مبادئ العدالة الاجتماعية مباشرة على أي مؤسسة أجتماعي من منظور منح وتشكيل القواعد التي يجب اتباعها في المؤسسة بشكل مباشر على الهيكل الأساس ككل وبإتجاهات محددة.
ويمكن النظر إلى المؤسسات الاجتماعية من منظورين لا يختلافان كثيرا عن بعضهما البعض. فهي يمكن النظر إليها كصورة مجردة يمكن التعبير عنها في صورة القواعد. وهي ثانيا الحركة التفاعلية بين سلوكيات الأفراد في زمان ومكان معينين. وعلى هذا فإن المؤسسات ـ وفقا لرولز ـ تمثل الأعمدة الأساسية التي يقوم على أساسها المجتمع. ولا ينبغي التفرق هنا بين تلك المؤسسات والأفراد. فالمجتمع يتسم بالعدل إذا ما اتسمت مؤسساته بالعدل في قواعدها والترتيبات المعدة لتسسير الحركة بداخلها وكذلك التي تنظم العلاقة بغيرها من المؤسسات وصولا إلى شبكة من المؤسسات في المجتمع ككل. وبناء عليه فإن المجتمع يمكن أن يكون عادلا حتى لو لم يكن أفرادة عادلين. فالعبرة هنا أن تكون شبكة الترتيبات المنظمة للمنؤسسات عادلة. وبهذا فإن شرط عدل المجتمع هو شبكة الترتبيات الناظمة للمؤسات التي تشكل البينة الأساسية.

وإذا راجعنا ذلك مفهوم العدالة من هذا المنطلق فسوف نجد أنه يستمد معناه التطبيقي من كلمة "القانون" وذلك على المستوى الإجرائي العملي دون الحديث عن المستوى المعرفي الفلسفي. فالقانون هنا يمثل الترتيبات التي تنظم صيرورة المؤسسات المجتمعية. وكلمة القانون في أصلها اللاتيني واليوناني تعني "القيد" أو الميثاق" الذي يحكم مسيرة الكيان الاجتماعي، ومن ثم فإن العدالة تعني ما هو مطابق للقانون- وهذا ما سبقت الإشارة إليه بالعدالة الإجرائية أو الشكلية- وأساس هذا المعنى هو أن التشريع، أو الإرادة الشعبية قد تبلورت في شكل نصوص معلنة، ووضعت في صيغة قانون أو مجموعة قوانين، هي ملخص للعلاقة بين ما هو "حق" وما هو "عدل" من وجهة ،نظر الجماعة التي صاغت تلك القوانين في مجتمع ما، وفي لحظة تاريخية معينة. ولكن هذا المفهوم "الشكلي" للعدالة قد تطور خلال القرن التاسع عشر- بصفة خاصة، وأدخلت عليه أبعاد موضوعية، هي التي أشرنا إليها فيما سلف عند الحديث عن ضرورة تدخل الدولة- أو السلطة العامة- تدخلاً إيجابياً لصالح الفئات الاجتماعية المحرومة أو العاجزة عن حماية حقوقها، أو الحصول عليها، وقد تطورت الأوضاع داخل المجتمعات الرأسمالية- ناهيك عن المجتمعات الاشتراكية- وتبلورت السياسات التدخلية للدولة من خلال عديد من "التشريعات الاجتماعية".
يرى رولز في كتابه نظريّة في العدالة a theory of justice أن “العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسّسات الاجتماعيّة، كما الحقيقة بالنسبة للنظريّات”. والعدالة هنا ليست إلاّ فكرة الصلاح في العلاقة مع الآخر. فالعدالة، تظهر حيث يوجد إنسان في علاقة مع إنسان آخر. فروبنسون كروز لم يمكنه أن يتساءل عن فكرة العدالة، في الجزيرة وحيداً، إلاّ حين انضمّ إليه إنسان آخر. قاعدة العدالة، إذاً، لا توجد إلاّ بشرط أن البشر يشكّلون مجموعة، ليس على قاعدة العرق أو اللغة أو الطبقة الاجتماعيّة فحسب بل على أساس اجتماع مؤلَّف بحجة غاية وفي كنف تنظيم يكون في خدمة هذه الغاية. العدالة، يضيف دابان، ليست قاعدة بسيطة للحياة الاجتماعيّة، بل ألقاعدة التي تسوس العلاقات بين الناس المجموعين في حلقة علائقيّة واحدة.
وهنا يثار تساؤل غاية في الأهمية:
هل يتحقق العدل في المجتمع بصرف النظر عن عدل أفراده؟ ماذا سيكون المجتمع العادل بعيدا عن عدل الأفراد؟
ويمكن الإجابة على ذلك التساؤل وفقا لما أورده جون رولز في صدر نظريته عن العدالة من خلال الإشارة إلى أن نظريةالعدالة الاجتماعية لـ رولز لا تعني بالسيطرة على أفراد المجتمع. وما يفعلونه. فالمؤسسات الاجتماعية هنا ـ والتي هي موضع اهتمام نظريته ـ توجد في حالة ما إذا اتبع الناس الإجراءات التي تمثل الترتيبات الناظمة للمؤسسات. فيمكنهم هنا أن ينتطمو فيما بينهم بمبادئ العدالة. حيث إن الناس تتبع القواعد المؤسسية المستمدة من مبادئ العدالة. حتى وإن كان ذلك من المنظور المؤسسي. وعلى هذا فإن العدالة الإجتماعية، وإن كانت منظور مؤسسي سوف تفرض على الأفراد مجموعة من المتطلبات. وهنا فإن تلك المتطلبات وفقا لما يوردها رولز تنقسم إلى نوعين: الأول: ما يسيها رولز بمبادئ العدالة والنزاهة Fairness وتطلب من أولئك الذين يشاركون بشكل طوعي في المؤسسات الاجتماعية أن يسهموا بنصيبهم في العدل وتحقيقه فيما بينهم. حيث يرى رولز أن مشاركة المناس في الأمور الرئيسية يجب أن تكون طوعية كمعظم الناس. وهنا يلعب مبدأ النزاهة دورا ما في تلك النظرية. أما الثاني من متطلبات الناس وهو ما يسميه رولز بالواجبات الطبيعية للعدالة وبعا يكون جزءان فتتطلب مننا أن ندعم ونستجيب للترتيبات المنظمة للمؤسسات التي ترتبط بنا. وكذلك ترتيبات العدالة التي لم توجد بعد. وعلى الأقل فحينما يمكن أن تكون بدون كلفة كبيرة على أنفسنا. بعبارة أخرى: فإنه ووفقا للحقوق والواجبات الطبيعية للعدالة، يتطلب مننا أن نتبع قواعد المؤسسات العادلة التي توجد بالمجتمع وأن نوسع من نطاق فاعلية المؤسسات العادلة حتى تنتشر النماذج الناجحة من المؤسسات الاجتماعية.
وهنا فإن رولز يرى أن الناس في حاجة إلى مكافأة عن العمل لتعطي افضل ما عندها. وهنا فإن العدالة تفهم لمصلحة الطبقات الأكثر فقرا وأقل ميزة في المجتمع. وفالثروة في المجتمع العادل يجب أن تتصف بالنزاهة والإنصاف ويجب أن تجري عملية توزيعها من خلال نظام للشؤون الاجتماعية. يسعى إلى تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
وفيما يتعلق بالنظام السياسي، يتساءل راولز في كتابه "نظرية العدالة" عن أعدل نظام سياسي- اجتماعي؟ سيحدد هذا النظام كيف ستعمل المؤسسات الاجتماعية على توزيع الحقوق والواجبات الأساسية، وعلى تحديد توزيع للخيرات الحاصلة للسابقين من الأفراد المفلحين. وهنا فإنه ـ رولز ـ يرفض تصور النفعيين Utilitaristes الذين لا يهتمون بالحريات الأصلية للأفراد، ويرى أن هذه الحريات لا يمكن بيعها وشراؤها ولا يمكن التضحية بها إذا تعارضت مع النفع العام. ولا ينبغي ان نتجاهل تركيز رولز على أنه المفترض أن توجد حماية للحقوق التي يشترك فيها جميع أفراد المجتمع، ويبتغي تصحيح الوضع الناتج عن التفاوتات، وهي تفاوتات ناتجة عن زيغ البعض عن الطريق الذي وضعته الجماعة لإدراك الفلاح في المدينة، والتصحيح يكون بتدخل المفلحين بألطافهم لتعويض سيئي الحظ، ومحاولة إعادتهم للجادة، هم أو من يقوم مقامهم من ذرياتهم.
قواعد العدالة عند رولز:
لقد استوعبت نظرية العدالة عند رولز النقد الماركسي التقليدي للرأسمالية المتطرفة في كونها استبعدت بعد العدل الاجتماعي في تركيزها المحموم على النمو الاقتصادي المتصاعد، وعلى التراكم الرأسمالي اللامحدود. وهكذا قرر "جون رولز" بكل جلاء ووضوح، ولأول مرة في تاريخ الفكر الليبرالي، أن هناك مبدءين للعدل: الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.
وتقوم العدالة من منظور النظرية الاجتماعية عند رولز على أساس مبدأين:
المبدأ الأول: لكل شخص ان يحصل على حق مُسَاوٍ في أكثر أشكال الحرية شمولا وأوسعها مدى، دون المساس بحرية الآخرين. المبدأ الثاني: يتم تسوية التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بحيث تكون أعظمها نفعا لأقل المستفيدين، ويترتب عليها مراكز ومناصب متاحة أمام الجميع تحت شروط المساواة العادلة في الفرص. إن المبدأ الأول هو مبدأ الحرية المتساوية، يهدف إلى منح كل شخص حقه وحريته السياسية الأساسية: كالحق في التصويت، وإمكانية شغل مناصب عامة، وحرية التعبير والرأي والفكر، والاجتماع والحق في الملكية الخاصة، واللجوء إلى القانون، وذلك دون النظر إلى وضعيته الاجتماعية. وبالنسبة للمبدأ الأول فيطلق عليه رولز " المبدأ الليبرالي للمساواة المنصفة في الفرص" إذ يقتضي حصول الجميع على فرص متكافئة للمنافسة على شتى المناصب. وهنا يدرك رولز ان هذا التنافس يحسم بنتيجة تكمن في حصول البعض على مواقع وثروات مما يسمح بظهور فروق اجتماعية، لكن داخل إطار محكوم بتكافؤ الفرص. المشكل بالنسبة لراولز هو السماح بوجود تفاوتات شريطة ان لا يخلق هذا مجتمع فئة محرومة من حقها في الحصول على حقوقها الكاملة والفرص الأساسية لحساب فئة أخرى تتمتع بامتيازات. ومن اجل تحقيق هذا المجتمع دعا إلى المساواة الديمقراطية . ومن ثم فإن المبدأ الأول ينظم عملية توزيع الحقوق والحريات الأساسية للجميع. بينما يوزع المبدأ الثاني المناصب والتفاوتات الاجمتاعية. على أن يرتب المبدىن ترتيبا تسلسليا. وفي إطار هذا فإن ما يتم توزيعه بموجب هذين المبدأين يسميهما رولز بـ " السلع الإجتماعية الاولية". من المبدأ الثاني يمكن أن يستنبط أن العدالة عند رولز يتشق منها الحرية الطبيعية، والحرية الليبرالية، والحرية الديمقراطية ويشير هنا أن الحرية الليبرالية مفضلة على الحرية الطبيعية، والحرية الديمقراطية مفضلة على الحرية الليبرالية. وبموجب هذين المبدأين يرى رولز أن كافة المناصب الإجتماعية مفتوعة للجميع على قدم المساواة. فالجميع له نفس الحقوق القانونية، في الوصول إلى كافة المناصب، الاجتماعية ذات الميزة. وأن تلك المناصب الاجتماعية تذهب إلى من هم ذات مزايا ومؤهلات تجعلهم الأفضل من حيث الكفاءة وليس على أسس غير منطقية، وواقعية.
وهنا فإن رولز يستعين بمبدأ الكفاءة الأمثلية الذي يستخدمه باريتو للتطبيق على النظم الإقتصادية، ولكن رولز يطبقه في مجال المؤسسات الاجتماعية. فيقرر رولز أن أية مخططان تكون كفئة وتتسم بالعدل عندما نحد أن تصميمها مخططه من أجل أن تجعل شخص ما أو فئة ما بعينها في وضع أفض من الآخرين. وبهذا فإن العدالة تتحقق عندما تكون الترتيبات المنظمة للمؤسسات الاجتماعية تم وضعها بحيث لا يمكن أن تتغير من أجل إعلاء شأن فرد أو فئة إجتماعية على حساب الأخرين، مهما كانت الظروف المحيطة داخليا أو خارجيا بتلك المؤسسة.
وفي الحقيقة فإن رولز ـ وفقا لهذين المبدأين ـ يعارض التصور القائم على التفاوت بين الناس الذي تتدخل فيه مجموعة من الاعتبارات "كالأصول الاجتماعية" أو" العرقية" أو "الجنسية" وغيرها، طبقية كانت أو سلطوية، مؤكدا بذلك على ضرورة التوزيع المنصف للثروات، بمعنى انه لا يجوز ان تكون فئة مستفيدة بإحدى الطرق السابقة، أي انه ليس لهم الحق في اكتساب قدر أكبر من الثروات إلا إذا ظهر بأن ذلك سيفيد بشكل أو بآخر أولئك الذين لم ينالوا سوى قسطا ضئيلا (الطبقات المحرومة) من الخيرات والثروات. وبالنظر إلى تلك المبادئ نجد أن رولز قد استقى إدراكه للعدالة الاجتماعية من فلسفة "أرسطو"، حيث تلتقي في كتابه الشهير عدة أطياف فكرية قارية و انجلوساكسونية. كما يتبين شدة تأثرهبمفاهيم نجد جذورها عند الفيلسوف الألماني " إمانويل كانط" عن مفاهيم الاستقلالية والكونية، والاستعمال العام للعقل "، كما يستحضر راولز نظرية التعاقد عند الفيلسوف جان جاك روسو، وإن كان قد اعتبر نظريته على قدر كبير من التجريد. لكن ينبغي التنبيه بملاحظة في غاية من الأهمية، وهي ان "راولز" قد تجاوز كل البنيات الفلسفية السابقة، وهو ما ساعده على بلورة نظرية جديدة للعدالة.التي تقوم على قواعد أخلاقية للعدالة كالإنصاف. ومن ثمة رصد الاختلافات التي تخترق هيكل المجتمع.
ويشترط رولز أن يتوفر التعاون من أجل أن تتحقق العدالة والإنصاف. وهو ما يختلف فيه مع التصور الليبرالي الذي يتسم بالإفراط فيما يتعلق بمسألة العدالة. فالتعاجون هنا يعد بمثابة عنصر استراتيجي لتوفير الرفاهية للجميع، حيث إن رولز ـ بذلك ـ يحث على البعد الاجتماعي في عملية إنتاج الخيرات مادامت تلك الخبرات سوف تعود بالخير على المجمع بشرط أن يكون ذلك موزعا على بالتساوي على كافة أفراد المجتمع من خلال مؤسساته الاجتماعية وهو ما يعرف بالعدالة التوزيعية. وبذلك فإن رولز يضع "مبدأ التعاون"في مقابل "الروح الفردية"، فإذا كان من نتائج التعاون توحيد الصفوف وتكامل الأدوار وإنصاف جميع الأطراف، فإن من نتائج الفردانية، التشرذم وطغيان الذاتية والأنانية على مبدأ المصلحة العليا، وعندما نتحدث عن تضارب المصالح فإننا نعني بذالك أن الأشخاص غير مهتمين أو مبالين بالقواعد التي يتم بها توزيع محصول تعاونهم من جراء تلهفهم لتحقيق أهدافهم، فكل فرد يفضل الحصول على الجزء الأكبر من هذه المزايا بدل الجزء الأقل، أي أن كل واحد يسعى إلى تحقيق مصلحته معتقدا أن مجهوده الخاص كفيل لبلوغ أهدافه وطموحاته وغاياته. ولهذه الأسباب وغيرها يتوصل "راولز" إلى ضرورة وضع مقاربة جديدة لمفهوم العدالة يتسنى من خلالها تحديد مبادئ أخلاقية وسياسية تشمل مختلف التصورات الممكنة لمسألة العدالة الاجتماعية وتكملها، بل ان العدالة كإنصاف، كما يرى راولز هي القاعدة التي ستضمن التوزيع العادل للخيرات وفق تصور أخلاقي ُيرضي الجميع، وذلك من خلال مبادئ العدالة الاجتماعية كما بلورها "جون راولز" والتي ستكون وسيلة فعالة لتوحيد الحقوق والواجبات داخل المؤسسات الأساسية للمجتمع، كما أنها ستساعد على التوزيع السليم والمتكافئ للأرباح .
غير انه على الرغم من الاختلاف الملاحظ عند الأشخاص حول المبادئ التي يجب أن تكون بمثابة الأسس القاعدية لمجتمعهم، ومع ذلك فوجود الاختلافات لا يمنع من وجود نظرة خاصة لكل واحد منهم للعدالة، بمعنى أنهم يدركون الحاجة إلى هذه المبادئ وأنهم مستعدون للدفاع عنها. هذه المبادئ تسمح بوضع الحقوق والواجبات الأساسية وتحقيق ما يعتقدون انه توزيع عادل للمزايا والأعباء الناتجة عن التعاون الاجتماعي، ولهذا يمكن القول أن مبادئ العدالة كإنصاف من شأنها أن تقدم تصورا شاملا لكل التصورات المختلفة للعدالة وتحتويها في نفس الآن، بشكل يجعلها تتخذ أبعادا قابلة للتطبيق عمليا داخل البنيات المؤسساتية متى توفرت الظروف المناسبة لذلك. فلابد إذا من وجود تنسيق بين مشاريع الأشخاص حتى يحصل انسجام بين الأعمال التي يقومون بها، وحتى لا يتضرر احدهم، ومن جهة أخرى، فلتحقيق هذه المشاريع يتعين أن يسمح بالوصول إلى أهداف اجتماعية عن طريق استعمال وسائل تكون في ذات الوقت فعالة وغير مخالفة للعدالة. وفي الأخير، فان نظام التعاون الاجتماعي يجب أن يكون مستقرا، وان تحترم قوانينه الأساسية، يتضح إذن أن هذه المسائل الثلاثة لها علاقة وطيدة بمبدأ العدالة، ففي غياب حد أدنى من التوافق بين ما هو عادل وما هو غير عادل سيكون من العسير علينا التنسيق بين الرغبات المختلفة. وانطلاقا من هذا تبرز أهمية إيجاد قاعدة أساسية لبناء تصور معقول لمفهوم العدالة، من اجل إيجاد صيغ مشتركة تضمن الحريات الأساسية للأفراد والمساواة في توزيع الترواث، وتلك هي مبادئ العدالة كإنصاف.
ومن هنا يتضح أن هدف نظرية العدالة كإنصاف هو محاولة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بإمكانية تحقيق مجتمع عادل يضمن لأفراده الحرية والمساواة، بحيث تكون الحدود المنصفة للتعاون موضع توافق بين المواطنين أنفسهم مادام الدخول لمجتمع التعاون يفترض المرور بمرحلة الوضعية الأصلية كإجراء لعرض نظرية العدالة كإنصاف.
مقومات العدالة
تقوم العدالة في الأساس على أساس عدة مقومات يمكن الإشارة إليها فيما يلي :
- المقوم الاقتصادي: الذي يعني بتوفير الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة الكريمة، ويعني كذلك وضع سياسة عامة للثروة القومية من حيث طرق إكتسابها وكيفية التصرف فيها، وحق الدولة في التدخل لتحديد الملكية، وإعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة.
- المقوم القانوني الحقوقي: الذي يضمن الحقوق الخاصة للمواطنين في نصوص واضحة ومعلنة- تجاه بعضهم البعض، وتجاه الدولة ذاتها، طالما كانت منضبطة بأحكام القانون، وسارية في مساراتها الشرعية.
- المقوم الفكري الأخلاقي: الذي تغذيه ثقافة تحض على التكافل وتعلي من شأن التعاون، وتنمي الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وتؤكد على فضائل احترام الغير، ومراعاة حقوقه المادية والمعنوية- ومسؤولية توفير مثل هذه الثقافة لاتقع على جهة واحدة، أو مؤسسة دون غيرها من مؤسسات التنشئة الفكرية والثقافية، بل هي مسؤولية كافة الجهات والمؤسسات، وإلى جانبها كل المفكرين وقادة الرأي والمبدعين والفنانين، وبهذا المعنى تصير ثقافة العدالة هي ثقافة الحرية، لأن العدل والحرية قيمتان تنبعان من أصل واحد، فالعدل والحرية هما في بناء قلب الإنسان وفكره ووجدانه وإرادته، بناء لامجال فيه للظلم والاستبداد. وعلى هذا فإنه لا عدالة في ظل خضوع الفرد للفقر، أو للقهر، أو لإنكار حقوقه الأساسية تحت أي ذريعة من الذرائع، ولا عدالة- كذلك- في ظل ثقافة تغذي عوامل التفرقة والتمييز والحط من كرامة الإنسان.

مستويات العدالة :
- المستوى الاجتماعي- السياسي العام، حيث تصير العدالة قيمة حاكمة للحركة السياسية وللممارسة الاجتماعية، وتكون محل إجماع عام من كافة القوى والاتجاهات المؤثرة في تسيير شؤون المجتمع، ويصير الالتزام بها عنواناً على وجود مجتمع عادل، ونظام عادل وسياسة عادلة.
- المستوى الفردي الخاص، حيث تصير العدالة محوراً للسلوك الفردي، وإطاراً مرجعياً عاماً لضبط تصرفات الأفراد ومواقفهم تجاه بعضهم البعض، فيكون الفرد عادلاً في ممارسة حقوقه، وعادلاً في أداء واجباته.
- لمستوى المؤسسي، حيث تكون العدالة إحدى أبنية النظام السياسي والاجتماعي القائم، وهي تتمثل- في هذه الحالة- في مجموعة من القوانين، والإجراءات، والمؤسسات، والوظائف، التي تكون مهمتها الأساسية تطبيق أحكام القانون. وتصير العدالة في هذا المستوى مرادفا للسلطة القضائية. وتكون هي الآلية التي عن طريقها يتم حسم المنازعات، واستيفاء الحقوق من مغتصبيها، وردها إلى مستحقيها. وثمة تقسيم آخر لمستويات العدالة يتلخص في التمييز بين العدالة الإجرائية (القانونية) من ناحية، والعدالة الموضوعية، التي تشير إلى معايير تنظيم الحقوق وتوزيعها- من ناحية ثانية، والعدالة في بعدها التنفيذي من ناحية ثالثة، حيث يتعين على الدول- أو السلطة العامة- أن تتدخل لصالح الفئات المحرومة، أو غير القادرة على الوصول إلى حقوقها، أو تلك التي يحال بينها وبين حقوقها لأي سبب من الأسباب.
العدالة عند أرسطو:
يرى أرسطو ان العدل هو الفضيلة التامة. إلا أنه ليس فضيلة مطلقة. العدل يشبه الخير الأجنبي كخير للأغيار لا لنفس الشخص القائم بالعدل فقط. فالعدل بهذا لا يتحقق إلا بالنسبة إلى الغير. لذا لا يعتبر العدل مجرد جزء من الفضيلة. بل هو الفضيلة بتمامها. وعلى الجانب الآخر فالظلم ليس مجرد جزء من الرزيلة، فالظلم هو الرزيلة في تمامها. وعلى هذا فالفضيلة تبقى هي الفضيلى مادامت مقتصرة على الفرد ذاته، أما إذا ارتبط بالغير أصبحت عدلا.
العدل كما قلنا جزءا من الفضيلة. والظلم جزءا من الرذيلة. فالذي يأتي الأفعال الأثيمة بجميع صنوفها يكون ظالما، فالظلم المطلق اسمه جور حيث أنه مخالفة للقانون. ما العدل الكلي فهو العدالة.
وهناك العدالة الجزئية: وهي ثلاثة أنواع: 1) العدل التوزيعي، 2) العدل التصحيحي، 3) عدل المقايضة.
1- العدالة التوزيعية: وهي تتعلق بالثروات والمزايا التي يمكن \ان تقسم بين جميع أضاء المجتمع. والعدالة التوزيعية هي المساواة القائمة على نسب الاستحقاقات لدى الخصوم. فكل يتصور العدلوفقا لما يراه. فأنصار الديمقراطية يعتبرونها في الحرية ، وأنصار الأوليجاركية يعتبرونها في الثروة، وأنصار الأرسقتراطية يعتبرونها في الفضيلة. وبذلك تكون العدالة التوزيعية التساوي النسبي في الاستحقاقات. وهو ما يسمى لدى الرياضيين التساوي الهندسي.
2- العدالة التصحيحية: وهي تتعلق بالمساواة بين الناس في العلاقات الإرادية والاإرادية. وهيي لا تتبع المساواة الهندسية بل تتبع المساواة الحسابية. فالقانون يتعامل مع الناس على أنهم جميعا متساوون فيبحث فيما إذا كان الشخص جانيا أم مجني علية. ثم يعمل بعد ذلك على إرساء العدل التصحيحي. أي أن يجتهد القاضي في أن يسوي بين الأشخاص. فيجرد الجاني من الربح الذي حصل عليه. لصالح المجني عليه. من ثم فالعادل أو القاضي يكون موضعه هو تقويم الخطايا. وهو الوسط بين الخسارة أو الألم وبين النفع أو ربح الآخر.
3- عدالة المبادلة: عدالة المبادلة تختلف عن العدالة التوزيعية الهندسية والعدالة التصحيحية الحسابية. فالأمر يقتضي هنا التفريق بين ما إذا كانت الجريمة وقعت عن عمد أم غير عمد. وهنا فإنه في جميع الحالات توجد المبادلة التناسية التي ليست متساوية بالضبط. فالدولة لا تقوم إلا على تبادل المنافع. وهو يلزم وجود نوم من المساواة بين الأشياء. وهو ما يكون عن طريق العملة. التي تقدر بها قيمة الأشياء غير المتشابهة ثم تقوم المساواة على أساس العملة. والحاجة هي التي توجد الحاجة إلى المقايضة. فلولا الحاجة مالزم الناس المقايضة. فبدون معاوضة، لا تجارة ولا جماعة ، وبدون مساواة لا معاوضة، وبدون مقياس مشترك لا مساواة ممكنة، ووحدة القياس.
ضروب العدالة عند أرسطو:
تتعدد ضروب العدالة عند أرسطو فما بين الشخصية والإجتماعية والقانونية تتعدد تلك الصور لتطرح الصورة المكتملة التي يقوم على أساسها العدل بين البشر في المجتمع. ويصنف أرسطو أشكال العدالة وفقا لدوائر تتكامل فيما بينها لتصل في نهاية المطاف إلى سيادة العدل في كافة أشكال المجتمع. ويمكن الإشارة إلى ضروب العدالة عند أرسطو فيما يلي:
1- العدالة الشخصية: هي أن سمارس الفرد العدل. فالمزاولة الشخصية هي وسط بين ظلم مرتكب وظلم محتمل. فالأكثر يكون ظلما، والأقل يكون ظلما. وهكذا فإن المزاولة الشخصية للعدل هي أن يعطي الفرد الوسط ولا يستأثر لنفسه بالكثير وعطي غيره القليل إذا كان فيه نفعا. وألا يعطي لنفسه القليل ولغيره القليل إذا كان ضررا. فالعدل وسط بين الأقل والأكثر.
2- العدالة الاجتماعية: لا عدل إلا حيثما وجد قانون يفصل بين الناس، ولا قانون إلا حيثما وجد الظلم ممكنا. إن القاض الذي أودع السلطان هو حارس العدل، ومن ثم فهو حارس المساواة. وهو يعمل للخير. وإذا قام ذلك الحارس بدورة على أكمل وجه ستحق جائزة هي الشرف الاعتبار. وإذا لم يكتفي بذلك فإنه يصبح طاغية. بالنسبة للأب والأبن والسيد والمسود فلا عدل أو ظلم يمعني الكلمة التي تنطبع على العلاقات المدنية بين الناس، حيث لا ظلم فيما ملكت يداك. ولا ظلم بين الأب وأبنه. أما الزوج والزوجة فينطبق عليهما العدل السياسي.
3- العدل القانوني: العدل القانوني يتخلف من مكان إلى آخر. فالمكاييل والأحجام ليست متساوية في كل مكان. كذك الحال بالنسبة للحقوق الطبيعية. كذلك الدساتير ليست متماثلة من مكان لآخر. والظالم يكون ظالما في ذاته حتى يرتكب ظلنعمه وفقا للقانون. أما إذا لم ينله القانون أصبح ظالما في ذاته.
العدالة عند أفلاطون:
يرى أفلاطون أن العدالة هي مبدأ لكل شيئ يؤدي العمل المناسب لطبيعته. وهي مبدأ الحكم الأنسب لكل التصرفات. وبالمعنى السياسي، فإن هذا المبدأ يجب أن يحتضن من المجتمع الي يؤدي فيه المواطنون الأعمال المهيئين لأدائها، ففي نفس كل فرد من هذا المجتمع يكمن هذا المبدأ ولا يمكن اكتشافه. إلا إذا أدى كل فرد الوظيفة التي تتناسب مع طبيعته . وفي المجتمع ، وعند كل فرد يجب أن يكون الحكم للعقل بشرط أن يكون مقرونا بالعدالة التي ستحقق الانسجام بين الافعال و الأحكام . وإن حكم العقل ليس طغيانا ولكنه انسجام بين افراد المجتمع السعداء والمجتمع نفسه . وعلى هذا فإن العدالة تختلف بحسب المستوى، فالعدالة على مستوى المجموع، أو المدينة تعني السياسة. أما على مستوى الفرد فهي الفضيلة، وكلاهما يؤدي إلى نفس الغاية. فصلاح المجتمع وإرساء العدل فيه يقوم على الفضيلة التي تبدأ من عند مستوى الفرد.
العدالة عند روبرت نوزيك:
وعلى الموقف المغاير لرؤية رولز يعتبر روبرت نوزيك أن فكرة العدالة المؤسساتية فكرة طوبائية حيث يهاجم دور الدولة في تأمين العدالة الإجتماعية في التوزيع. فيعتقد أن السوق هو الذي يفرض نظام الدولة، لذلك نجده ينتقد نظرية رولز ويتطرف في القول إلى أن الثروة برأيه (نوزيك) فهي نتاج عمليات نظام السوق المعقدة، فلا تعد هذه الثروة مالاً للجميع حتى يقال بعدالة التوزيع. وعلى هذا تكون الثروة في فكرة نوزيك ما هي إلا محصلة المبادلات الحرة والجهود الشخصية. وهو ما يجده نوزك عدلا بحد ذاته فجميع النظريات التي تنادي بالعدالة ـ برأي نوزيك ـ لا تراعي حرية الفرد.
العدالة في الاسلام
أما على الجانب الإسلامي فيمكننا أن نكتفي بالإشارة إلى إجمالي فكرة العدالة في ضوء القرءان الكريم:
فالعدل هو احد اصول الدين ويشكل اساس وفلسفة الاصول الاخرى. والبحث في العدالة في المجتمع الإسلامي ودورها في التنمية والحياة له يجد جذور الأصيلة في القرآن الكريم، فالقرآن بيّن العدالة بشكل شامل وأشار إلى مفهوم: العدل، العدل التكويني، العدل التشريعي، العدل الاخلاقي والعدل الاجتماعي. ويرى القرءان الكريم أن الكون قائما في الأساس على العدل. فالعدل هو الغاية العليا للإسلام. فيقول القرءان الكريم (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) . ويعتبرالقرآن الحق الملازم للعدل اساس الخلقة، واعتبر مقام التدبير الالهي مقام القائم بالعدل.(شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم) . إن الحكم بالعدل والقسط في جميع مجالات حياة الانسان احد الاهداف الاساسية لبعث الأنبياء (ع)، والغاية النهائية لجميع الاديان الالهية. فقد اعتبر العدل أحد وظائف الانبياء. بل ان أوامر الله تعالى قائمة بالعدل والإحسان. والقرآن حينما يأمر جميع الناس بالعدل يشدد على المؤمنين بذلك. وقد اعتبر القرآن الكريم العدل صفة الإنسان الخلوق الذي يعتمد عند الآخرين. كما أجاز القرآن القتال من أجل رفع الظلم وابادة الظالمين. بل ان اقامة العدل واجبة حتى لو أدت إلى المواجهة مع العدو.والعدل هو الاساس في الثواب والعقاب يوم القيامة. إذاً فالعدل في نظر القرآن هو الاساس لجميع أصول الدين وفروعه من التوحيد حتى المعاد، ومن النبوة إلى الامامة ثم الزعامة، ومن آمال الفرد إلى اهداف المجتمع، وبعبارة أخرى ان العدل توأم التوحيد، وركن المعاد، وهدف تشريع النبوات، وفلسفة الزعامة والإمامة، ومعيار كمال الفرد، ومقياس سلامة المجتمع.
وفي الفكر الإسلامي ترتبط عدالة التوزيع بالعدل الإجتماعي، وتكافؤ الفرص في الضمان الإجتماعي، فالعدل وفقا وفقا للرؤية الإسلامية يعد من الأوامر الموجبة فهو أداء فعاليات الحياة في أي مجتمع. فالعدالة الإجتماعية يمكن تحقيقها ما توفرت الظروف الصحيحة لتوزيع عادل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من المستويات. وهنا يذهب الفكر الإسلامي إلى أن الحاجات الأساسية ترتبط بالدخول، ومعيارها يقترن بمعيار حد الكفاية في الدخول، إذ أن إشباعها ممكن عند مستويات الدخول المختلفة. إن تلك الحاجات ليست على درجة من الثبات لقد وضعت الشريعة الإسلامية تلك الحاجات للحفاظ على الضروريات وهي مقاصد الشريعة الإسلامية المتمثلة في الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والنسل والتي توصف بأنها مالابد منه من قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على إستقامة، بل على فساد وتهارج. .