الثلاثاء، 2 مارس 2010

اعتقالات اعتقالات و"الإستيعاب هو الحل"

اعتقالات هنا واعتقالات هناك. تلك هي الطريقة التي تتعامل بها الحكومة المصرية مع المعارضة السياسية، وخاصة جماعة الاخوان المسلمين. آخر تلك الاعتقالات وأبرزها ما تم في الثامن من فبراير المنصرم باعتقال ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد، وهو أعلى جهاز تنفيذي بالجماعة. وهؤلاء الثلاثة هم محمود عزت نائب المرشد وعبد الرحمن البر وعصام العريان عضوا مكتب الإرشاد، فضلا عن 13آخرين بالمحافظات في نفس اليوم. وقبل ذلك قامت قوات الأمن في 28 يناير باعتقال 31 عضوا بالجماعة.

وتأتي حملة الإعتقالات تلك بمثابة حلقة في مسلسل الفشل والتخبط الذي تتعامل به الحكومة مع المعارضة السياسية. وكذلك بغية الحيلولة دون بروز الإسلاميين على ساحة العمل السياسي. وخاصة بعد أن بات من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين على وجه التحديد هي أقوى أطراف المعارضة بفضل هيكلها التنظيمي المحكم. فضلا عن كونها أبرز النماذج التي تمارس الديمقراطية بداحلها بعد أن أعلن المرشد السابق مهدي عاكف عدم رغبته في تجديد ولايته وإجراء انتخابات ـ بالطبع لها ما لها وعليها ما عليها ـ على المنصب أسفرت عن وصول الدكتور محمد بديع لأعلى منصب في جماعة الإخوان على مستوى العالم. وهو ما يمثل إحراجا للنظام الحاكم، وكذلك كافة الأطراف الأخرى على الساحة السياسية وبخاصة في ظل تمسك جميع القيادات بمناصبها سواء بداخل النظام الحاكم أو الأحزاب السياسية، أو حتى قيادات المجتمع المدني التي يرأس كل منظمة فيها مؤسسها بشكل أبدي حيث لم نرى تداولا حقيقيا للسلطة بين تلك المنظمات التي يفترض أنها الدعامة الأساسية لتحول ديمقراطي سليم. وبالفعل فبدلا من أن يستفاد النظام من تلك التجربة ويخلص منها إلى درس مفاده أن "الديمقراطية هي الحل" فقد تمادى النظام في البطش والتنكيل بالمعارضة، ومواصلة الإعتقالات بين الجميع. وبدلا من استيعاب النظام للمعارضة والتعامل معها باعتبارها قوة دفع يمكنها أن تقوم النظام وتعضده من خلال الممارسة السياسية.

يخبرنا علم إدارة الأزمات بمنهجين لإدارة الأزمة أحدهما طيب والآخر خبيث. فأما الأول وهو الإستيعاب، يسمح النظام للفاعلين الآخرين بالتحرك بحرية حتى يصبح ذلك التنوع عنصر قوة للنظام المجتمعي societal system بأكمله. أما الثاني ، وهو الإحتواء فيتعامل فيه النظام مع القوى الأخرى من منطلق إدراكه لذاته على أنه الأقوى فيسمح بمجرد هامش للحركة للأطراف الأخرى مما يسمح له بالإستقرار واستمرار توازن القوى لصالحه. تماما كما كان الحال في تعامل الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي أثناء فترة الحرب الباردة. فضلا عن النموذج المغربي في التعامل مع الإسلام السياسي.

والحقيقة أن النظام الحاكم هنا في مصر يرفض التعامل بأي من المنطقين ـ لا الطيب و لا الخبيث ـ على الإطلاق. إذ يفضل تغليب المنطق الأمني على السياسي. فبعد أن ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية وظهور أيمن نور كقوة مقلقة للنظام. وبعد أن خرج الإخوان المسلمون بـ 88 مقعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2005. وكذلك بعد ظهور العديد من القوى الراغبة في التغيير مثل حركة كفاية والحركات الإحتجاجية الشعبية والمعارضة الإلكترونية ونشطاء حقوق الإنسان. بدأت حملة الاعتقالات والمحاكم العسكرية تطارد كل هؤلاء بدلا من محاولة استيعابهم. ففي 6 فبراير 2006 وبعد أن إسقط القضاء دعوى "خيرت الشاطر" و24 آخرين من أعضاء الإخوان أمر الرئيس مبارك بإحالتهم الى محكمة عسكرية حكمت عليهم في 15 أغسطس 2008 بأحكام أقصاها 10 سنوات.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمتين يتزايد تخبط الحكومة في تعاملها مع جماعة الإخوان باعتبارها أكبر القوى السياسية وأكثرها خطرا على بقاء النظام الحاكم. فقد بلغ عدد المعتقلين من الجماعة في عام 2009 حوالي 5025 معتقل بزيادة قدرها 27% عن عام 2008 الذي شهد 3674 معتقلا وكذلاك بزيادة قدرها 47% عن العام 2007 الذي شهد 2669 معتقلا. والمتأمل في ذلك التسلسل يجد الإعتقالات تتزايد كلما اقترب موعد الانتخابات بهدف تحجيم مكاسب الجماعة مستقبلا.

وفي النهاية فإن الحكومة تتبع اسلوب التخبط الأعمى في التعاطي مع المعارضة التي يرى النظام فيها خطرا على بقاءه. وهنا نرى أن الإسلوب الأمثل هو استيعاب كافة أطراف المعارضة لتشكل نسيجا متكاملا يعكس تنافسا حقيقيا يضمن حرص كل طرف على بقاء الآخر لأنه له في ذلك قوة. وهذا ما نراه أحد الركائز الأساسية للديمقراطية. فيصير شعارنا "الاستيعاب والديمقراطية هما الحل". والله أعلم


طه على أحمد

باحث في العلوم السياسية