الأحد، 6 ديسمبر 2009

ذكرى أكتوبر بين الآمال وآلام

ستة وثلاثون عاما مرت على حرب أكتوبر ولا يزال المواطن المصري يحلم بالرخاء كما وعدته القيادة السياسية، ولازالت تتوعده حتى يومنا هذا. واليوم وبعد مرور ستة وثلاثين عاما على الحرب لا يزال المواطن المصري يفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، فما بين نظام حاكم يعيث في الأرض الفساد، ويرسخ لقيم التمييز والعنصرية ضد الفقراء لصالح القلة الحاكمة من جهة، ومعارضة تنعم بالضعف وتتلذذ به وتسعد بالسوس الذي ينخر في عظامها من جهة أخرى، يعاني المواطن المصري من ويلات الحرمان وتضيع أبسط آماله في العيش حياة كريمة. وهو ما صحيفة "الجارديان" البريطانية لوصف العلاقة بين الطرفين ـ النظام الحاكم والمعارضة ـ قائلة: النظام المصري هو النظام الوحيد في العالم الذي يختار المعارضة الملائمة له؛ فالأحزاب الحالية كارتونية مجمدة يحتفظ بها النظام ويخرجها وقت الحاجة إليها، وهناك أحزاب حقيقة موجودة في الشارع ولكنها غير مرخصة. وعلى الرغم من مرور السنوات وراء بعضها البعض، تتلاشى آمال المصريين في حياة ديمقراطية وعدت ـ ولازالت توعد بها ـ بها القيادة السياسية.

واليوم تعود علينا ذكرى جديدة لحرب أكتوبر المجيدة لتحمل معها الذكريات التي تبعث الأمل في نفوس المصريين، كما تفسح المجال للمزيد من التمعن والاستفادة من دروس الماضي القريب. لقد تلقي العالم العربي ضربة قاسمة في الخامس من يونيو 1967، ولم تكن تلك هي نهاية الصراع العربي الإسرائيلي. ففي التاسع والعشرين من أغسطن1967 اجتمع قادة دول الجامعة العربية في مؤتمر الخرطوم بالعاصمة السودانية ونشروا بياناً تضمن ما يسمى بـ"اللاءات الثلاثة": عدم الاعتراف بإسرائيل، عدم التفاوض معها، ورفض العلاقات السلمية معها. وفي سبتمبر 1968 تجدد القتال بشكل محدود على خطوط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا بما يسمى حرب الاستنزاف، مما دفع الولايات المتحدة أحدى القوتين العظميين إلى اقتراح خطط لتسوية سلمية في الشرق الأوسط، وكان وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز قد إقترح ثلاث خطط على كلا الجانبين: الخطة الأولى كانت في 9 ديسمبر 1969، ثم يونيو 1970 ، ثم 4 أكتوبر 1971. وقد رفضت المبادرة الأولى من جميع الجوانب ، و أعلنت مصر عن موافقتها لخطة روجرز الثانية حتى تعطي نفسها وقتاً أكثر لتجهيز الجيش و تكملة حائط الصواريخ للمعركة المنتظرة، أدت هذه الموافقة إلى وقف القتال في منطقة قناة السويس، و إن لم تصل حكومة إسرائيل إلى قرار واضح بشأن هذه الخطة. وفي 28 سبتمبر 1970 توفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، وتم تعيين أنور السادات رئيساً للجمهورية. في فبراير 1971 قدم أنور السادات لمبعوث الأمم المتحدة غونار يارينغ، الذي أدار المفاوضات بين مصر وإسرائيل حسب خطة روجرز الثانية، شروطه للوصول إلى تسوية سلمية بين مصر وإسرائيل وأهمها انسحاب إسرائيلي إلى حدود 4 يونيو 1967. إلا أن الجانب الإسرائيلي قد رفض هذه الشروط مما أدى إلى تجمد المفاوضات. وفي 1973 قرر الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد اللجوء إلى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرها العرب في حرب 1967. وقد كانت الخطة ترمي الاعتماد على المخابرات العامة المصرية والمخابرات السورية في التخطيط للحرب وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية و مفاجأة إسرائيل بهجوم غير متوقع من كلا الجبهتين المصرية والسورية، و هذا ما حدث، حيث كانت المفاجأة صاعقة للإسرائليين.

وفي الأحداث قام الجانب المصري بحشد نحو مليون عسكري وصلت ذروة القتال عندما قذفت مصر اسرائيل بـ 185 قذيفة مدفعية في الثانية من فوهات 11000 مدفع، وعلى الجانب السوري تم حشد أربعمائة ألف عسكري وألف خمسمائة دبابة في جبهة عرضها سبعين كيلومتراً، وقامت الدولتان ببناء حائط صواريخ دفاع جوي اعتبر الأكثر تطوراً وكثافة في وقتها. وقد تمكن الجيش المصري في يوم السادس من أكتوبر عام 1973 من عبور قناة السويس و اختراق الساتر الترابي في 81 مكان مختلف وإزالة 3 ملايين متر مكعب من التراب عن طريق استخدام مضخات مياة ذات ضغط عال ، قامت بشرائها وزارة الزراعة للتمويه السياسي ومن ثم تم الاستيلاء على أغلب نقاطه الحصينة بخسائر محدودة ومن ال 441 عسكري إسرائيلي قتل 126 و أسر 161 و لم تصمد إلا نقطة واحدة هي نقطة بودابست في أقصي الشمال في مواجهة بورسعيد وقد اعترض أرئيل شارون الذي كان قائد الجبهة الجنوبية علي فكرة الخط الثابت واقترح تحصينات متحركة وأكثر قتالية ولكنة زاد من تحصيناته أثناء حرب الاستنزاف. وأخيرا، وبلغت تكاليف خط بارليف 500 مليون دولار في ذلك الوقت .

وبعد مرور السنوات المتتالية يمكن إعادة النظر إلى ما جرى في ليلتي الخامس من يونيه 1967، والثالث من أكتوبر 1973حتى يمكننا الانطلاق منها نحو فهم أعمق للحاضر. وذلك من خلال الإشارة إلى عدة ملاحظات عابرة حول ما تضمنه مفردات النصر والهزيمة. أما بالنسبة للنصر فإنه يشير في أبسط دلائله إلى محصلة مجمعة من المكاسب الجزئية أو نتيجة إجمالية لمجموعة من الجولات. الفوز في جولة واحدة يعد مكسبا ، وبالتالي فإن النصر هو محصلة لمجموعة من المكاسب. وعلى الجانب الآخر نجد مفهوم الهزيمة التي تشير إلى أنها محصلة مجموعة من الخسائر في عدة جولات من الصراع الواحد. والهزيمة في هذا الإطار يصاحبها نوع من كسر الإرادة التي ربما تكون سببا في إنهاء الصراع. وعليه فإن نتائج الحرب العالمية الأولى الدامية بالنسبة لفرنسا واحتلال الألمان لها لم يصاحبه كسر إرادة الفرنسيين، ذلك أنهم دأبوا على المقاومة الداخلية والخارجية التي قادها الجنرال شارل ديجول مستفيدا من ظروف العلاقات الدولية وقتئذ، إلى أن وصل مع زملائه إلى تحرير بلاده. هكذا لم تنكسر إرادة الشعب الجزائري مثله في ذلك مثل غيره من الشعوب،أمام عجلات الإستعمار التي عانت منها سنوات طويله. وتأسيسا على هذا فلم تحقق ألمانيا النازية الانتصار حينما تفوقت في معارك الحرب العالمية في مطلع القرن الماضي، إذ أن الصراع قد انتهي بشكل عام إلى تفوق الحلفاء وانتصارهم وخروج ألمانيا منكسرة الإرادة واستسلامها في حالة "هزيمة".

والمتأمل في هاتين المتناقضتين (النصر والهزيمة) يجد أن ما حدث في ليلة الخامس من يونيو 1967 لا يمكن إدراجه تحت مسمى الهزيمة، حيث لم تكسر إرادة الشعب المصري، فربما كانت انطلاقة جديدة للصراع العربي الإسرائيلي مع بدايات حرب الاستنزاف وصولا إلى السادس من إكتوبر 1973. وبالمثل فإن ما حدث في السادس من أكتوبر لا يمكن إدراجه تحت مسمى النصرـ وفقا للإشارات السابقةـ فماكانت حرب اكتوبر سوى جولة أخرى من جولات الصراع العربي الاسرائيلي التي بدأت مع حرب فلسطين عام 1948 و لازالت حتى يومنا هذا وإن اختلف شكل الصراع بحسب المراحل التاريخية والمكانية لكافة أشكال الصراع العربي الاسرائيلي. حيث حقق الجانب المصري مكسبا عسكريا لا يمكن تجاهله على الرغم من خيبة الأمل السياسية التي تبعته، نتيحة لعدم التوظيف السياسي الجيد من قبل المفاوض المصري الذي أعمته نشوة المكاسب العسكرية عن التأني في التفاوض وفقا لمعطيات ما بعد السادس من أكتوبر.

لقد كانت أحد أهم أهداف القرار الذي اتخذه بشجاعة الرئيس المصري السابق أنور السادات وكان من بين منفذيه الرئيس المصري الحالي محمد حسنى مبارك، هو العبور بمصر إلى محطة متقدمة في التنمية. وقد كانت الديمقراطية هي أحد الركائز التي ارتكز عليها الرئيس السادات من أجل ذلك. إلا أننا اليوم وبعد ثلاثة عقود لا يزال المجتمع المصري يقف على شواطئ الديمقراطية حالما متأملا مصدقا للوعد التي تصدرها القيادات السياسية الحكيمة يوما بعد يوم. وبالفعل فإنه بفضل الجهود الحكيمة للقيادات السياسية المتتابعة على الشعب المصري وصلنا اليوم إلى أحد أشكال الديمقراطية، ولكن لسوء حظ المواطن المصري فإنها ديمقراطية مريضة، متعددة الأحزاب، تجرى في ظلها الانتخابات، وتبلغ مؤسسات المجتمع المدني في ظلها ما يربو على 21 ألف جمعية أهليه. وعلى الرغم من كل تلك الديكورات الديمقراطية إلا أنها بالفعل ديمقراطية مريضة، تزوّر فيها الانتخابات، وتلعب فيها الأحزاب أدوارا كرتونية بهلوانية، و يعاني فيها المجتمع المدني من القيود العديدة التي قد تشل حركته أحيانا، والانتهاكات اليومية للحريات الأساسية التي يحتاجها المواطن فضلا عن تسيد السلطة التنفيذية على غيرها من السلطات، وبين هذا وذلك تتبخر أحلام التنمية. إلى أن يقف المواطن على ضفاف الديمقراطية ليقلم اظافرة بأسنانة وفي جوفه حسرة على ما كان كان يحلم به.

وأخيرا، فلم تعد ذكرى إكتوبر سوى لحظات يحتفل فيها المواطن المصري مع وسائل الإعلام الرسمي بعدد من الأفلام السينمائية التي لا ترقى إلى مستوى الحدث ولا إلى الدروس التي يجب الإستفادة منها، فضلا عن مجموعة من البرامج الحوارية التي تتناول الحدث بشيئ من السطحية. لتمر الذكرى مرور الكرام. وعلى هذا فلا تعدوا ذكرى أكتوبر سوى الفخر بمآثر الأجداد وعظمة أمجاد الماضي القريب ... والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق