الأحد، 6 ديسمبر 2009

المؤتمر السنوي للحزب الوطني ودبلوماسية الشعارات

مرة أخرى يخرج علينا الحزب الوطني الديمقراطي بشعار جديد تتجلى فيه المهارات الفائقة للحزب في إختيار شعاراته التي يهدف من خلالها إلى إضفاء هالة برّاقة تصرف الأنظار عن خواء آدائه الفعلي وانتهاكاته لأبسط قواعد حقوق الإنسان.

يرجع تاريخ المؤتمرات السنوية للحزب الوطني إلى مؤتمره العام الثامن الذي انعقد في شهر سبتمبر 2002، والذي اعتبره إعدادا للإنطلاقة النوعية في أدائه ليسن سنته الجديدة بأن يجتمع الحزب سنويا وليس كل أربع سنوات فقط. وقد جاء المؤتمر الأول تحت شعار " الفكر الجديد وحقوق المواطن"، من أجلك أنت"، و الثاني "العبور الأول"، والثالث "العبور الثاني"، والرابع "فكر جديد وانطلاقة ثانية نحو المستقبل"، والخامس "مصر بتتقدم بنا". ليرسخ بذلك ريادته في دبلوماسية الشعارات كأداة لتوجيه الجماهير.

و"من أجلك انت" هو اخر تلك الشعارات. فمن أجلك انت جاء المؤتمر، ومن أجلك أنت تضافرت الجهود. إلا أن ما اغفله الحزب هو أن يوضح لنا من هذا الـ "أنت" الذي يخاطبه الشعار. وفي الحقيقة فإن كان المخاطب في ذلك الشعار هو المواطن المصري البسيط، وإقناعه بأن النظام قد التزم في أدائه بالعدالة الإجتماعية فى توزيع عائد التنمية و توفير الخدمات. إن كان الأمر كذلك، فما أوسع الفجوة بين أقوال وممارسات النظام. ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس مبارك زيادة مرتبات العاملين بالدولة بنسبة 30% أثناء الاحتفالات بعيد العمال في شهر أبريل 2008 فإذا بالتضخم العام يصل إلى 21.1% مع زيادة تفوق هذه النسبة في أسعار السلع الغذائية والوقود وهي أقرب ما يتصل بحياة المواطن البسيط. وإذا كان هذا الـ "أنت" هو الفلاح المصري الذي تغني به الحزب الوطني كثيرا ـ حيث يذكر الموقع الرسمي للحزب أن المؤتمر هو بحق "مؤتمر الفلاح" وأن هذا المؤتمر هو الذي أنهي معاناة الفلاحين بصدور توصيات مهمة، وأن الرئيس مبارك اهتم بمشاكل الفلاح وتحسين مستواه" سوف نجد أنه في خلال 72 ساعة من انتهاء المؤتمر صدرقرار رئيس الوزراء بأحقية من استصلح قطعة أرض أقل من 100 فدان أن يتملكها بأسعار عام 2006 على أن يكون السداد نقدا وفورا بمجرد الإخطار بالأسعار، وهو ما يمثل قمة التعسف حيث كانت أسعار ذلك العام أعلى المعدلات في الآونة الأخيرة ـ ولم تحدد بأسعار 2003 مثلا حيث كان سعر الفدان بألف جنيه للزراعة. وبألفي جنية لأصحاب المنتجعات ـ وعلى هذا فقمة المستحيل أن يكون المخاطب بالشعار هو الفلاح المصري.

وربما يكون المخاطب بالشعار هو قوى الإصلاح والمجتمع المدني إذ يقول الرئيس مبارك في كلمته أمام المؤتمر أن مصر كانت ولاتزال أحد أهم منارات الإصلاح والليبرالية على مستوى العالمين العربى والإسلامى، وأنها كانت دائما فى طليعة الدول التى قادت عمليات التطوير الحضارى والانفتاح على الآخر. وأكد سيادته مرارا في الجلسة الخاصة بالمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان على دور المجتمع المدني الأكيد في مراقبة الإنتخابات القادمة والتأكيد على ترسيخ المواطنة وحقوق الإنسان. هذا ما قيل ولكن في الواقع العملي نجد في الوقت ذاته المجتمع المدني يحاصر من الدولة، فضلا عن الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان والتضييق على حرية الرأي والتعبير. كما أشارت العديد من المؤسسات الدولية مثل صحفيين بلا حدود ومنظمة العفو الدولية ناهيك عن الاعتقالات المستمرة للمعارضة السياسية ، وصولا إلى إحتلال مصر المركز الـ115 بين 180 دولة في تقرير الشفافية الدولية. وعلى هذا فلا يعقل بالطبع أن يكون المخاطب بشعار الحزب الوطني قوى الإصلاح

. قد يكون المقصود بالـ "أنت" ـ الواردة في الشعار هو رجال الأعمال من ذوي الحظوة تجاة النظام، أو الإعلاميين من ذي النفوذ لدى النظام الحاكم. أو ربما يكون المقصود هو الحزب الحاكم . الموكد أنه ليس المقصود بأي من الشعارات التي تمطرها سماء الحزب الوطني لا هو المواطن المصري البسيط، ولا الفلاح، ولا حتى قوى الإصلاح والمجتمع المدني.

وأخيرا، فقد هبت علينا رياح ثورة التحديث التي فجرتها أمانة السياسات بالحزب الوطني ودشنها أحمد عز أمين التنظيم في كلمته أمام المؤتمر. إلا أن أبرز سمات تلك الثورة هي السطحية المفرطة في خطابها، والإنحياز الكامل لصالح النخبة المسيطرة، وتجاهل مصلحة المواطن المصري لصالح القلة الحاكمة. إن قليلا من التأمل في تلك الشعارات الستة السابقة يكشف كثيرا من الاستخفاف الذي يتعامل به الحزب الوطني مع قضايا جادة تخص مستقبل الوطن. فكما يتم صرف الأنظار عنها بإلقاء الضوء على مباريات كرة القدم، ثم أيضا تركيز الأضواء على مكافآت اللاعبين وصحتهم ـ ذلك أنهم يحملون بين أقدامهم آمال وأفراح الأمة ـ فإذا بشعارات الحزب تتلألأ لتعمي ببريقها عيون البسطاء وتصرفهم عن المطالبة بأبسط حقوقهم وهي المساهمة في تقرير مصيرهم. بين هذا وذاك قد لا يكون المواطن بعيدا عن مجريات الأمور كما يظن الحزب الوطني. أو ربما أكون مخطئ ، و يصيب الحزب الوطني، وتنتصر دبلوماسية الشعارات ..... والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق