الاثنين، 14 يونيو 2010

صباح : قصة فتاة لم تخشى عناكب الظلام

بقلم : طه على أحمد

استيقظت صباح كعادتها باكرا ، في نشاط لم تعهده عليها الأسرة . راحت تجهز حقيبتها استعدادا ليوم دراسي حافل بالكثير من العناء الذي يختلط فيه العناء الجسدي بالذهني . نعم ذلك العناء الجسدي الذي يتكبده آلاف الأولاد والبنات أثناء خروجهم إلى مدارسهم ، بين أكمنة القهر التي تزرعها القوات المحتلة لأرضها ليل نهار. وكذلك العناء الذهني الذي تعانية صباح مع زميلاتها من أجل تحصيل علوم طالما تمنتها ونهلت منها على أمل أن تبلغ بها أمانيها ، وأن تسهم في تحريروطنها.
راحت صباح تتحرك كثيرا ، فحقيبتها قد تم إعدادها منذ المساء قبل أن تنام بعد سهرة حافلة باستذكار الدروس ، شأنها في ذلك شأن كل متفوق طموح . ولكن ماذا ياترى وراء كل ذلك النشاط فوق العادة ؟! إنها بالفعل هكذا ، ولكنها الليلة يبدوا عليها شيئ ما ، هكذا كان تفكير أمها وكذلك تخيلن أخواتها الثلاث اللواتي يصغرنها سنا. وراحت أختها الصغيرة تسألها ماذا بك يا صباح، إننا لم نعهدك هكذا؟ ولكنها ترد في حماس، وعلى وجنتيها رياض من زهور تتفتح ، وفي عينيها بريق غد يلوح بالافق. وردت على صغيرتها قائلة: هل تعلمين يارحمة ماذا تعني السعادة؟ ماذا يعني الأمل؟ ماذا تفيد الحياة؟ ما هو دورنا في تلك الحياة ؟ وردت عليها أختها بإستغراب محدقة عينيها بشيء من الإمعان في تأملات كبيرتها ماذا يا أختي ؟! فترد صباح قائلة : معني الحياة ... هي أن يكون لوجودك سبب . أن تكونين امتداد لمن قبلك وبذور لمن يأتي من بعدك. بالأمس ونحن نرمي عسكر الإحتلال بالحجارة تسائلت، لماذا نحن الذين نحييا في هذا العناء وفي تلك المشقة اليومية حتى نصل إلى مدرستنا ؟ لماذا نخرج في جماعة إلى المدرسة لكننا نعود ناقصين بينما يضاف إلى عدد شهدائنا المزيد؟! لماذا ينعم بالحياة أطفال العالم بينما نحن يا أختي هكذا ؟! هل تعرفين يا أختي ما أريد من تلك الحيا ة؟ فترد عليها أختها متسائلة، ماذا يا كبيرتي ؟ فتجاوبها صباح، أريد أن أكمل تعليمي وأدرس الطب حتي أداوي جرحانا كما أني أريد أن يكون لي دورا في تحرير بلادي حتي ولو كان ذلك بدمي .
وهنا تدخل الأم لتذكر إبنتيها بموعد طابور الصباح، يابنات هيا اسرعن فما الطريق للمدرسة بالقريب ولا باليسير وهنا تنهض الفتيات الثلاث متجهات إلى المدرسة في تحد لكل ما هو آت . وبعد رحلة من المشقة والعناء ينجح الزهور في الوصول إلى المدرسة. وبالفعل ينتهي اليوم الدراسي على خير. وصبا ح رائدة الفصل كما أنها الطالبة التي حصلت على المركز الاول على المستوى إدارة "خان يونس" التعليمية في الصف الثاني الثانوي وها هي شهور قليلة وتتهيأ الفتاة للحاق بدراسة الطب، في أمل لتحقيق حلم العمر بالنسبة لها. وتشهد مدرسة خان يونس الثانوية بنات حفل لتكريم للمتفوقين، وتنال صباح قلادة التكريم وتشجيع وإعجاب الجميع .
ولما لم يكن كل ما يتمناه المرء يدركه ، فصباح الأكثر علما بين تلاميذ المدرسة وهي أيضا الأكثر جرأة وشجاعة بين بنات جيلها ، فها هي تخترق الحواجز لتواصل سيرها فإذا برصاص الغدر ينطلق مطاردا إياها ، ولكن الفتاة رائدة الفصل بالفعل يجب أن تضرب المثل لباقي زميلاتها ، وما بيدها سوى رمي الحجارة على كلاب الأذقة، فصباح لا تخشى نباح الكلاب، ولكنها في تلك المرة لم تنجح في تحقيق ما اعتادت عليه يوميا ، ولم تستطيع الهرب وإذا بأعين الجبن ترصدها وتنال خالب الطغاة من جسدها النحيل فيسقط أرضا وتسيل الدماء على الإسفلت لتغسل به عار الاخرين . واليوم تتحقق نبوئتها فتهدي صباح بجسدها الطاهر إلى بلادها، و ما من أمل اليوم أن تعود إلى الحياة تلك العذراء ، لتذهب ضحية إنسان لا يملك أعطي وأسرف في في عطاءه لمن لا يستحق . وتجري أنهار الدموع لتسبح فيها أمواج الغدر. فتحفر في قلوب بنات أرض الزيتون نقوشا من الآلام يصعب إزالتها مع الايام .
ويصل الجثمان الطاهر إلى أسرته بعد أن نالته عناكب الظلام بعد أن فشلت في حمل الفتاة على الإستسلام. ويقع الخبر على مسامع وأعين الأهل كالصاعقة ولكن الأم التي ربت الشهداء لا ينهار الجبل بداخلها ، فكما قدمت أم صباح من قبل إبنيها البكريين شهداء يوما ما ، لقادرة على تحمل تلك الفاجعة بصلابة يندر وجود مثيل لها لتعلم أمهات الأرض درسا يصعب نسيانه . وكذلك الأب الذي يصلي على الجثمان صلاة لا ركوع لها ولا سجود . ثم يتوجه إلى الجميع معلنا إصراره على إنجاب المزيد من الأبناء والبنات . فما معني الحياة إن لم يكون المرء امتداد لمن سبق وبذرة لمن هو آت ، نعم أليس هذا ما ودعتنا به صباح؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق