الأحد، 6 ديسمبر 2009

خطاب أوباما بين شكوك الواقعيين وآهات الحالمين

"إنني ممتن لكم لحسن ضيافتكم ولحفاوة شعب مصر، كما أنني فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأميركي لكم مقرونة بتحية السلام من المجتمعات المحلية المسلمة في بلدي: السلام عليكم. بهذا العبارات بدأ الرئيس باراك أوباما خطابه إلى العالم الاسلامي من تحت قبة جامعة القاهرة.

لقد انتظر العالم الاسلامي كله ذلك الخطاب الذي ظنه الكثير بمثابة نقطة جديدة على طريق التعامل مع العالم الاسلامي. وبعد انتظار جاء خطاب تحت تغطية إعلامية عربية وعالمية مكثفة. وفي زيارته المليئة بالإشارات التي أراد من خلالها القائمون عليها إبهار العالم الاسلامي بالرئيس الجديد. فأظهر الرئيس أوبا درجة عالية من الوعي بتاريخ المنطقة وحضارتها، وهو ما يظهر إلى أن الرجل يمتلك عدة مفاتيح للتقارب وأدوات الحوار المناسبة، وقد سهلت عليه هذه المفاتيح مهمة كسب ود العالم الإسلامي.

لقد زار أوباما من ضمن ما زار مدرسة السلطان حسن، ومنطقة الأهرامات، الأمر الذي لم يكن من باب الترفيه والتنزه، فقد جائت كل خطوة محسوبة وذات هدف ومغزى، فقد أراد الرجل أن يرى العالم العربي والإسلامي مدى انبهاره بحضارتهم عمليًّا، ولم يمر الأمر هباءا حيث استخدم بعض اللفتات البسيطة التي تترك أثرًا طيبًا في النفوس، مثل حرصه على خلع نعليه عند الدخول، ورفضه أن يلبس خفًّا مخصصًا للوفود السياحية، إلى ان جاء خطابه معززا بالاستشهاد بآيات القرءان الكريم.

وبعد طول انتظار جاء الخطاب ليعلم الجميع أن باراك حسين أوباما درس جيدا أصول وقواعد الخطابة، وهو ما يجعله مؤثرا فى الرأى العام ومستمعيه القريبين فى الأساس، فقد بدأ خطابه بعبارة «السلام عليكم»، وهذه العبارة جعلته يمس مشاعر المصريين الذين يستخدمون هذه العبارة عشرات المرات فى يومهم، وبالتالى وجدوا أن أوباما قريب منهم، فهو يستخدم نفس عبارتهم اليومية، كما أن هذه العبارة تحية الإسلام، وهو ما يعنى أنه يؤكد الرسالة التى يود أن تصل إلى كل مسلم وهى أنه جاء يحمل معه رسالة تصالح بين المسلمين والولايات المتحدة الأمريكية. وحينما انتقل أوباما إلى صلب الموضوع، طبق شروط العرض وهى التماسك والتلاحم بحيث لا تضعف خطبته بسبب التفكك أو تخلخل الفكرة، فجاء كلامه مرتبا غير مهوش ولا مضطرب. واستشهد أوباما في خطابة كثيرا بآيات القرءان الكريم، ليضرب على الوتر الحساس ويهز مشاعر المسلمين والأمر نسه حدث عندما استشهد بآيات من الإنجيل فأثّر بذلك على المسيحيين الموجودين، وعرج على تاريخ الأزهر وجامعة القاهرة ليشير إلى أثر الإسلام على الحضارة الأنسانية.

ولم يحمل الخطاب بصمات أوباما الشخصية فقط، وإنما هو نتاج النظام المؤسسى الأمريكى كله بحلته الديمقراطية الجديدة، وهو ما يتجلى فيه البصمة الديمقراطية، التي تتجلى على النمط الأمريكي. إلا أننا في تعاطينا مع الخطاب لم نركز إلا على الجانب الدعائي له، فقد أعجب الناس فى مصر بأوباما، الخطيب المفوه الذى لم يضطرب ولم يتلعثم، والذى ركز أهداف خطبته فى عبارات مصاغة بدقة ومحددة بما لا يُحدث أى التباس بشأنها، وكذلك بأدائه فى الإلقاء وحركات جسده المؤدية والمساعدة لعوامل التأثير، فهو، من حيث الهيئة، يتمتع بمواصفات الخطيب المثالية، فقامته طويلة، رشيق، صوته جهورى، وقور، نظراته خاطفة، مسيطر على أعصابه، رابط الجأش، ثابت النفس.

لقد بدأ الرئيس الأمريكي عهده بسياسة تميل إلى التصالح مع العالم الاسلامي، فقد سبق خطاب جامعة القاهرة مجموعو من الاشارات التي تؤكد على ذلك، فمن خطابه إلى البرلمات التركي، إلى رسالة التهنئة التى وجهها إلى الشعب الإيرانى، بمناسبة عيد النيروز، وإعلانه عن سياسته فى الخروج من العراق، وصولا إلى الوقوف تحت قبه جامعة القاهرة، وبين هذا وذاك تقبل السياسية الخارجية الأمريكي على مرحلة كبيرة تنذر في ظاهرها بالتفاءل، ولكن في حقيقة الأمر ، فإن العلاقات الدولية لا تعرف المشاعر ولا الأحاسيس الإنسانية، فما عهدنا يوما ما سياسة خارجية لبلد ما تجاه الأخرى ، فما علمنا أيضا سوى المصلحة القومية محركا لموقف بلد ما تجاه العالم الخارجي ، الأمر الذي بفرض نوعا من الحذر الطبيعي تجاه أي وافد جديد ولكن بشرط تقديم النوايا الحسنة على النوايا السيئة حتى تسير من جيد إلى الأفضل ، بدلا من سيرها الذي عاهدناه في الماضي القريب أي عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، حبنما سارت الأمور من السيء إلى الأسوأ.

وفي الحقيقة أن الغالبية العظمة من سكان المنطقة المثقلة بالمتاعب والأزمات قد تشوقوا كثيرا إلى الخطاب الذي ظنو أنه سوف يحل الكثير من المشكلات التي يعانون منها، ابتداءا من المشكلات اليومية التي يعاني منها المواطن في حياته اليومية، مرورا بمشكلات الفساد الحكومي وسيطرة الحزب الحاكم، وصولا إلى مشكلة الصراع العربي الاسرائيلي. وهو ما يشير إلى بساطة في التفكير يعاني منها الكثير من الحالمين بالمخلص الآتي من بلاد العم سام، بمتطي جواده لكي ينقذ المنطقة من مشكلاتها. وهو ما ينفيه الرجل في خطابه، من قبل وصوله إلى القاهرة، فقد صرح أوباما قبل مجيئة للقاهرة بأن لك الخطاب سوف يكون رسالة تفاهم مع العالم الإسلامي‏،‏ ويستهدف تحسين صورة بلاده لدي المسلمين‏.‏ وسيناقش الحاجة الكبيرة إلي تحقيق السلام في الشرق الأوسط‏. كما أنه قد خفض من سقف التوقعات المرجوة من وراء خطابه، قائلا في مقابلة مع قناة تلفزيونية فرنسية إن الهدف من خطابه محاولة خلق حوار أفضل مع المسلمين, ودعا إلى عدم التعويل كثيرا على خطاب واحد لتسوية مشاكل منطقة الشرق الأوسط.

وبالنظر العام إلى الخطاب فقد أورد أهم معالم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى هذه المرحلة، ألا و هو تفضيلها للعمل الدبلوماسى، مع التأكيد فى الوقت نفسه على أن هذا الموقف ليس نابعا من إحساس بالضعف، وإنما عن رغبة فى إعادة ترتيب جديد للأوراق والأدوار على نحو يساعد على مد الولايات المتحدة بمصادر قوة جديدة، مع التأكيد فى الوقت نفسه على عدم استبعاد الخيارات العسكرية كملاذ أخير، وهو ما يوجب الترحيب والتعامل معه على أنه إحدى الفرص التي تنهال على العرب يوميا، على الرغم أن التاريخ يثبت يوما بعد الأخر أن سكان العالم العربي الميمون قد أحترفو ضياع الفرص....... والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق